أمريكا والإخوان.. دعوات لمقاربة أكثر فاعلية
نقاشات تتجدد في أمريكا حول سبل التعامل مع الإخوان في ظل معطيات أمنية جديدة.
وبحسب تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تعزز هذه النقاشات الدعوات لاعتماد نهج أكثر دقة يقوم على استهداف الفروع والواجهات المرتبطة بالجماعة، بدل محاولة تصنيفها بأكملها منظمة إرهابية.
ويأتي هذا النقاش في سياق مواجهة تهديدات محددة تمثلها بعض كيانات الإخوان على المستوى الدولي، خصوصاً تلك التي توفر دعماً مادياً وسياسياً مباشرًا لحركة "حماس" الفلسطينية.
وعاد الجدل إلى الواجهة بعد هجوم وقع مطلع يونيو/حزيران في كولورادو، نفذه مواطن مصري مؤيد للإخوان باستخدام قنابل حارقة ضد متظاهرين في الولاية.
وأعاد هذا الحادث مطالب عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي بإدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، وهو ملف ظل مطروحاً منذ الولاية الأولى للرئيس ترامب.
واكتسب هذا الموضوع زخماً تشريعياً ملحوظاً مع تقديم مشاريع قوانين متعلقة به في كل من مجلسي النواب والشيوخ، تتضمن مطالب للإدارة الأمريكية باتخاذ خطوات عملية تجاه الجماعة.
عقبات
ورغم هذا الزخم السياسي، يواجه تصنيف التنظيم العالمي بأكمله عقبات قانونية كبيرة.
فالإخوان منذ تأسيسهم في مصر عام 1928 أنشأوا شبكة واسعة من الفروع والكيانات المتفرعة في مختلف أنحاء العالم، أبرزها حركة "حماس"، إلا أن هذه الشبكات لا تعمل ضمن هيكل قيادة موحدة أو مركزية سياسية واضحة.
ويشير خبراء معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن غياب القيادة الموحدة يجعل من الصعب تصنيف الإخوان ككيان مركزي موحد أمام القضاء الأمريكي، وهو شرط أساسي لإدراج أي منظمة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وفي أغسطس/آب الماضي، أوضح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن الإخوان تمثل "مصدر قلق بالغ"، لكنه شدد على أن عملية تصنيف الجماعة بأكملها تعرقلها المتطلبات القانونية التي تلزم الإدارة بتقديم ملف أدلة متكامل أمام القضاء لإثبات نشاطها الإرهابي كوحدة موحدة.
ورغم أن الرئيس الأمريكي لديه القدرة النظرية على إصدار أمر تنفيذي مستقل لاستهداف الجماعة بشكل مباشر، إلا أن التوجه الإداري الحالي يميل بوضوح إلى العمل ضمن صلاحيات مكافحة الإرهاب القائمة للتركيز على الجهات والكيانات الأكثر خطورة داخل هيكل الإخوان.
تركيز على حماس
تشير تقارير غربية صدرت عن الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، إلى أن شبكة واسعة من المؤسسات المرتبطة بالإخوان تقوم بدعم حركة حماس مالياً ولوجستياً، في خرق واضح للقوانين الأمريكية والدولية.
ففي تقرير الحكومة البريطانية الصادر عام 2015، وُجهت اتهامات للإخوان بـ"الاحتضان والدعم العلني والمتعمد" لحماس، بما في ذلك تسهيل التمويل، مع التأكيد على استمرار الروابط بين الحركة وفروع الإخوان في الشرق الأوسط.
وتضاعفت الأدلة على هذه الروابط بعد الهجوم الذي شنته حماس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ أظهر تقرير إسرائيلي في سبتمبر/ أيلول 2024 أن الحركة أنشأت "شبكة من النشطاء والمنظمات" في أوروبا الغربية، وترتبط العديد منها بالإخوان.
كما كشفت الوثائق التي جُمعت من أنفاق حماس ومكاتبها في غزة عن صلات مباشرة بين الحركة وكيانات مثل "المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج"، الذي وصفته إسرائيل بأنه "ممثل فعلي لحماس في الخارج" ومرتبط بالإخوان.
وقد اتخذت السلطات الأردنية مساراً مماثلاً، إذ حظرت الإخوان داخلياً وتابعت منظماتها غير الحكومية المرتبطة بها بالإجراءات القانونية اللازمة.
الإخوان وحماس
تتجذر العلاقة بين حماس والإخوان منذ تأسيس الحركة عام 1988، حيث نص ميثاقها المؤسس صراحة على أنها الفرع الفلسطيني للإخوان.
وعلى الصعيد الدولي، أسست فروع الإخوان كيانات لدعم الحركة مالياً وسياسياً، من بينها "مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية" التي تأسست في الولايات المتحدة لتكون القناة الأساسية لجمع الأموال لصالح حماس، وصنفتها وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2001.
وفي حكم محكمة أمريكية عام 2008، أُدين قادة المؤسسة لتقديم ملايين الدولارات لصالح الحركة، وأكدت محكمة الاستئناف الأمريكية عام 2011 وجود أدلة على أن الإخوان وجهوا فروعهم حول العالم لإنشاء "لجان فلسطين" لدعم حماس بعد تشكيلها.
وتكرر هذا النموذج في عدة دول، من بينها "ائتلاف الخير" الذي أسسته حماس عام 2000 لتسهيل تمويل أنشطتها في الخارج، بقيادة يوسف القرضاوي أحد أبرز رموز الإخوان، وصنفت وزارة الخزانة الأمريكية أعضاءه ضمن لوائح الإرهاب، مؤكدة استمرار نشاطهم وتقديم تقارير مباشرة للجناح العسكري لحماس.
وقد اتخذت ألمانيا وإسرائيل وإسبانيا خطوات مماثلة بحق فروع ومؤسسات مرتبطة بالإخوان لدعم حماس.
نهج أكثر واقعية
خلال ولاية ترامب الأولى، واجهت الإدارة صعوبات في تصنيف الإخوان ككيان موحد، لكنها نجحت في إدراج مجموعتين منشقتين عنهم في مصر هما "لواء الثورة" و"حركة سواعد مصر" بعد تورطهما في هجمات دموية بين 2015 و2017.
ويقترح الخبراء اليوم أن تتبنى الإدارة المقبلة نهجاً مركزاً على استهداف الفروع والأذرع التي تمارس الإرهاب فعلياً، بدلاً من مواجهة التنظيم العالمي بأكمله.
ويرون في هذا النهج مساراً أكثر واقعية وقادر على تحقيق نتائج ملموسة دون الاصطدام بالعقبات القانونية والسياسية التي حالت دون اتخاذ خطوات شاملة في الماضي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTM5IA== جزيرة ام اند امز