أعمال الأزهر الشريف تميزت عبر أكثر من عشرة قرون على تأسيسه بالعطاء الكثير والجهد الدؤوب في مجال العلم والتعليم والدعوة والإصلاح
تميزت أعمال الأزهر الشريف عبر أكثر من عشرة قرون على تأسيسه بالعطاء الكثير والجهد الدؤوب في مجال العلم والتعليم والدعوة والإصلاح.
ولا يزال الأزهر منارة يستهدي بها علماء الأمة ممن آلت إليهم المسؤولية الدينية والشرعية، والقواعد والأسس التي وضعها علماء وأئمة هذه المؤسسة العريقة لا تزال تشكل لبنة من لبنات البناء الحضاري والثقافي للأمة الإسلامية.
الإسلام أرسى حقوق المواطنة منذ قرون طويلة من الزمن لغير المسلمين، فلهم الحرية الدينية وإقامة الشعائر والعبادات ولا يصادر أحدٌ حريتهم في طعام أو شراب وترك لهم الحرية وأعطاهم كافة الحقوق والامتيازات ولا يضطهد الأقليات، وهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات وشركاء في الوطن.
وللأزهر الشريف أدوار علمية خالدة بعث فيها أشعة العلم والعرفان في جميع أنحاء العالم، وحفظ فيها اللغة العربية والثقافة الإسلامية في عصور التدهور والانحطاط وهيمنة الاستعمار الغربي على الأقطار الإسلامية، ولما بدأت النهضة العلمية شكّل حينئذ الأزهر الشريف منبعاً ثرّاً ومناهلَ علمية وفقهية وتراثية ..فوضع الأسس العلمية والفنية والثقافية التي خطت بالأمة الإسلامية خطوات واسعة في سبيل النمو والازدهار الإنساني.
منتدى شباب صناع السلام الذي تواصلت فعالياته ما بين الثامن والثامن عشر من شهر يوليو في لندن بحضور ودعم من شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب، وبمشاركة أسقفية كانتربري له أهميته البالغة لبناء عالم أفضل يعيش فيه الجميع بخير وسلام، حيث اختارت الأسقفية ومجلس حكماء المسلمين مجموعات شبابية من العالم العربي ومن المملكة المتحدة للعمل على رفع وعي الشباب المشاركين بهدف الاستفادة من إنسانية الأديان وما تحمله من خير للبشرية جمعاء.
ذلك يقتضي التأكيد على أن الإسلام رسالة سلام وأمن وأمان، والسلام اسم من أسماء الله الحسنى ، وتحية المسلمين السلام، وباب الجنة باب السلام ومكة دار السلام وتحية أهل الجنة السلام، وقال الله تعالى في سورة إبراهيم: "خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام" آية 23، فلو كان لمبدأ في الأرض أن يسمى باسم السلام لم يكن شيء أولى من الإسلام بهذه التسمية نظراً لما حققه الإسلام على أرض الواقع من الأمن والسلم.
جاء الإسلام ليحقق كرامة الإنسان وليوقف حكم الغاب، ومنع اعتداء المسلم على المسلم فأعطى للمواطنين غير المسلمين حقوقهم، وصان كرامتهم وحرياتهم؛ فقال تعالى في سورة الممتحنة: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" آية 8. وهكذا فإن الإسلام في مصادره وأصوله رسالة سلام وحب، وخلال التاريخ الإسلامي كانت الجاليات التي تعيش في كنف الأمة الإسلامية تتحدث عن التراحم والتكافل الذي يوفره الإسلام لها.
يقول المستشرق ولز الإنكليزي: "إذا طلب مني أن أحدد الإسلام فإني أقول إن الإسلام هو المدنية، وإذا أراد أحد أن يعرف ذلك فليقرأ القرآن".
الإسلام مظلة ينضوي تحتها المسيحي والمحمدي والموسوي والمسلم، وكل من أسلم أمره لله إما بالإنجيل وإما بالقرآن، وبهذا نستطيع فهم الإسلام فهماً قرآنياً حضارياً، ونخلصه ممن يحاولون اختطافه وتحويله إلى فئة مكفرة لكل الديانات الأخرى، ومحاولة خطف الدين وتحويله إلى أداة لتنفيذ سياسات معينة على يد بعض المرتزقة ليست مسألة راهنة بل هي مسألة تاريخية. وقال تعالى في سورة العنكبوت آية 46 : "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون".
والإسلام أرسى حقوق المواطنة منذ قرون طويلة من الزمن لغير المسلمين، فلهم الحرية الدينية وإقامة الشعائر والعبادات ولا يصادر أحدٌ حريتهم في طعام أو شراب، وترك لهم الحرية وأعطاهم كافة الحقوق والامتيازات ولا يضطهد الأقليات، وهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات وشركاء في الوطن.
وما حدث في العشرين عاماً الأخيرة في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة؛ أن ظهرت قلة متطرفة أصبحت ترفض ذلك الآخر وتدينه وتكفره، وللأسف، لأغراض سياسية معروفة في مقدمتها السيطرة على مقدرات العالم العربي والإسلامي؛ بدأت الأبواق المعادية للعرب والمسلمين تتحدث عن تلك المواقف التي تحدث من هذه القلة المتطرفة الإرهابية، وهكذا أصبح الرأي المصنع في الغرب على وجه التحديد تحت تأثير دعاوى أن الإسلام دين متخلف يرفض العصرنة والديمقراطية، ويدعو إلى العنف والإرهاب والتدمير، وهذه دعاوى زائفة تتجاهل الواقع التاريخي من ناحية وتتناسى عن عمد أن تلك المجموعات المتطرفة لا تعمل على تكفير المسلم وحسب، بل تعمد إلى تكفير المجتمع ككل، مسلمين وغير مسلمين.
وقال السيد المسيح "جئت لأخلص العالم"، وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "إن الله أرسلني للناس كافة وأرسلني رحمة للعالمين" .أكانت هذه المشابهة مجرد صدفة أم هي ثمرة شيء يشبه القانون العام، هم إخوة فلا نريد أن نفرق بينهم وقال الرسول العربي محمد عليه السلام "إنما أنا رحمة مهداة".
والإسلام والمسيحية موقف واحد في مواجهة الظلم؛ إذ يتم تربية المؤمنين في كلتا الديانتين بهذه الحقيقة، لذلك ينبغي على المشاركين المعنيين في فعاليات منتدى شباب صناع السلام أن يكونوا على مستوى المعرفة والإيمان والعمل والتطبيق والسلوك.
وأول واجب على المسيحيين والمسلمين أن يقبلوا بعضهم بعضاً على المستويات الوطنية والقومية، وهذا القبول والاعتراف المتبادلان شرط ضروري لتعاونهم في الدفاع عن الحق والسعي معاً لإقرار وترسيخ قيم العدل والإنصاف في العلاقات الإنسانية، وبناء فريق عمل عالمي حضاري من الشباب الواعد والساعي إلى القيام بمبادرات خلاقة وحوارات بناءة؛ غايتها تعميق الأواصر الإنسانية واستزراع مفاهيم الحق والخير والمحبة والسلام بين الأديان السماوية والمعتقدات البشرية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة