علاقة الإخوان بالأزهر معقدة جدا، فقد تعلم حسن البنا وسيد قطب في مؤسسة أنشئت كبديل للأزهر وهي كلية دار العلوم.
علاقة الإخوان بالأزهر علاقة معقدة جداً، فقد تعلم مؤسس الجماعة حسن البنا، ومفكرها الرئيسي سيد قطب في مؤسسة أنشئت كبديل للأزهر وهي كلية دار العلوم، التي أسسها علي مبارك في 1886 لتخريج متخصصين في الشريعة الإسلامية واللغة العربية من خارج التقاليد الأزهرية؛ التي كانوا يرون أنها محافظة في ذلك الوقت، وتقف عائقاً أمام عملية التحديث التي دخلت فيها مصر في عهد إسماعيل باشا.
لقد أفشل الأزهر كل رهانات الإخوان عليه، فمهما كانت لهم خلايا نائمة، أو ذئاب منفردة في أروقته، ومؤسساته تحقق حماية وقتية للإخوان، أو تخلق لهم وهما من سراب زائل؛ إلا أن الأزهر -بالبركة المتوارثة فيه- سريعاً ما يطرد الخبث ويستعيد رونقه
وحين أنشئت جماعة الإخوان عام 1928 لم يكن ضمن مؤسسيها، ولعقود تالية أي أزهري، وقد أرجع المرجع الشيعي المعروف السيد صدر الدين القبانجي سبب فشل جماعة الإخوان، وعدم قدرتها لأجيال متتالية على أن تحقق أهدافها في الإصلاح؛ أنها نشأت خارج المؤسسة الدينية الطبيعية وهي الأزهر الشريف، وأنها حاولت من خلال مؤسسة مصطنعة؛ غير معهودة في التقاليد الإسلامية؛ وهي الحزب أو الجماعة أن تحقق إصلاحاً شاملاً في الأمة الإسلامية، ويؤكد السيد القبانجي على أن عداء الإخوان للأزهر، وتعاليهم عليه كان هو السبب الرئيس لفشلهم التاريخي.
وحين حدث التغيير في مصر بعد يناير 2011، وضع الإخوان عيونهم على الأزهر الشريف، وخطب القرضاوي في ميدان التحرير متوهما أنه سيكون مثل الخميني، وما أن وصل الدكتور محمد مرسي إلى رئاسة مصر حتى بدأ الإخوان في حالة من العجلة والتسرع يتأمرون للسيطرة على الأزهر، وحينها حدثت حالات تسمم في المدينة الجامعية لجامعة الأزهر، وبغض النظر عن السبب في هذه الحوادث، وهل هي حقيقية أم مصطنعة إلا أن الإخوان استغلوا هذه الحوادث للمطالبة بعزل شيخ الأزهر؛ على الرغم من أن فضيلته لا علاقة قانونية تربطه بالمدن الجامعية الأزهرية، وليس مسؤولاً عما يحدث فيها، وبينه وبينها سلم إداري طويل، ولكن التنظيم أراد استغلال أي شيء لتحقيق أهدافه، وقد افتضح موقف الرئيس مرسي، والتنظيم أن رئيس الدولة زار مجموعة من الطلاب قيل إنهم تسمموا في مدينة الأزهر الجامعية، ولم يهتم بحادث مات فيه خمسون طفلا في تصادم قطار بأتوبيس في أسيوط.
في هذه اللحظة الحرجة في تاريخ مشيخة الأزهر، حين كان طلاب الإخوان يحاصرونها؛ منحت دولة الإمارات العربية المتحدة جائزة الدولة لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وتم استقباله على أعلى المستويات في أبوظبي، وأصدر رئيس دولة الإمارات قراراً بالإفراج عن جميع المسجونين المصريين في الإمارات، ومنهم أحد بلدياتي مسجون بسببه قتله إثنين دفعة واحدة، وحينها كانت جامعة زايد التي كنت أعمل فيها؛ هي المؤسسة الإماراتية التي زارها شيخ الأزهر قبل استلام الجائزة، وكلفتني الجامعة بإلقاء كلمة ترحيبية بالشيخ أحمد الطيب، وفي كلمتي رويت قصة والد الإمام الأكبر الذي كان قد أسس وقفا لمساعدة طلاب العلم في الأزهر القادمين من خارج مصر، وكان نصيب طلاب العلم من منطقة الشام ألف جنيه سنويا، وكان يحملها الشيخ أحمد الطيب حين كان طالباً في الستينيات لتوزيعها على زملائه، أردت أن أقول أن الشيخ الطيب من بيت أصيل وعزيز، وأن تطاول دهماء الإخوان من شذاذ الآفاق عديمي الأخلاق لا يليق مع من هم في مقام الشيخ الطيب.
واصلت الإمارات دعمها للأزهر ممثلاً في شيخه بعد ذلك؛ لأن قيادتها استشعرت خطورة سيطرة الإخوان على الأزهر، فكانت عين قيادتها على الأزهر؛ لأنها تعرف قيمته، وتؤمن أنه هو مرجعية المسلمين، وأنه على المسلمين جميعا الاحتماء به وحمايته، هذا الموقف المبدئي من قيادة دولة الإمارات مرتبط بالأزهر المؤسسة والتاريخ والدور؛ كان له الفضل في منع الإخوان من التعدي على الأزهر، والسيطرة عليه في لحظة كانت مصر كلها بيد صبيان الإخوان.
ولم ييأس الإخوان كعادتهم من أمل الاستحواذ على الأزهر الشريف، فقد توهموا أن هناك خلافاً بين الأزهر والدولة المصرية، وأن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من الممكن أن يعولوا عليه في النيل من شرعية الحكم في مصر؛ لذلك أوقفوا صبيانهم وغلمانهم من الهجوم عليه، فعلى الرغم من أن الشيخ الدكتور أحمد الطيب هو الذي وقع وثيقة الإخوة الإنسانية في أبوظبي مع بابا الفاتيكان، إلا أن منصات الإخوان وقطر لم تهاجمه، بل تعدت وتجاوزت في حق العلامة الشيخ عبدالله بن بيه.
ولكن الأزهر هو الأزهر يستعصي على التوظيف أو الاستحواذ، ويأبى إلا أن يكون مؤسسة للأمة وليس لجماعة، وكانت المفاجأة في البيان الذي أصدره مرصد الأزهر، والذي نزع الشرعية عن تنظيم الإخوان أحياءً وأمواتاً، فقتلاهم ليسوا شهداء طالماً ماتوا في مواجهة الدولة ومؤسساتها، وهم جماعة خارجة عن الشرعية والشريعة، وكل دعواهم باطلة لأنهم يسعون إلى السلطة مثل أي حزب أو جماعة طامحة في السلطة والسطوة والتحكم.
لقد أفشل الأزهر كل رهانات الإخوان عليه، فمهما كانت لهم خلايا نائمة، أو ذئاب منفردة في أروقته، ومؤسساته تحقق حماية وقتية للإخوان، أو تخلق لهم وهما من سراب زائل؛ إلا أن الأزهر -بالبركة المتوارثة فيه- سريعاً ما يطرد الخبث، ويستعيد رونقه وتألقه، ويظل مؤسسة للأمة والدين.
نقلاً عن "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة