مهرجان "الأراجوز" المصري.. نقطة مضيئة لفن يواجه الاندثار
16 عرضا مختلفا من التراث الشعبي و6 من لاعبي الأراجوز، شاركوا في إقامة المهرجان الأول لفن الأراجوز في مصر
عروس قفازية بألوان مبهجة ترتدي "طرطورا" أحمر اللون، تجذب بصوتها وحركاتها انتباه الكبار والصغار لتصبح مصدرا للبهجة والضحك على مدار قرون ممتدة. تلك العروس عنصر رئيسي لفن "الأراجوز" المصري الذي ظل بطلا لعروض مسرح العرائس قبل أن تهدده أزمة" الاندثار" في السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه الفن، فإن الشاب المصري نبيل بهجت نجح في إقامة أول مهرجان للأراجوز في مصر، احتفالا بمرور عام على إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الأراجوز المصري على قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي.
استعادة وتذكير
بـ16 عرضا مختلفا من التراث الشعبي و6 من لاعبي الأراجوز، أقيم المهرجان الأول للأراجوز في مصر بداية من 24 إلى 28 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
"الفنون الشعبية شهادة ملكية الوطن" عبارة فسر بها الدكتور نبيل بهجت، مؤسس فرقة "ومضة" لعروض الأراجوز وخيال الظل، مجهوده المستمر مع العرائس المتحركة. وسرد خلال لقائه مع "العين الإخبارية" قصة المهرجان قائلا: "المهرجان الأول للأراجوز يعد مبادرة شخصية لإلقاء الضوء على هذا الفن. كل دولة لها عروس شعبية، والأراجوز هو العروس الشعبية المصرية وتجب استعادتها والحفاظ عليها، فاستمرارية الفن مرهونة بتعليمه لأجيال جديدة".
ووزع بهجت أيام المهرجان ما بين فضاءات تعليمية مثل الجامعات، وفضاءات ثقافية مثل بيت السناري بالقاهرة، وفضاءات أخرى مستقلة، بإقامة عروض وورش عمل ومحاضرات للتذكير بماهية الأراجوز المصري، لتصبح نقطة إطلاق جديدة في مشوار الفن الذي يعاني من أزمة.
من الأرشيف إلى اليونسكو
"رحلة حياة حقيقية".. عبارة وصف بها بهجت مشواره مع الأراجوز، الذي حمل على كتفيه مسؤولية صون هذا الفن.
وقرابة 20 عاما بدأ بهجت في إعداد أول أرشيف مصري للأراجوز، يتضمن تاريخ الفن وطبيعة العروض وآلية التعامل مع العروس، وهو الأمر الذي ظل سرا سنوات طويلة. لذا حرص بهجت على المعايشة مع لاعبي الأراجوز لخلق ثقة معهم، بتأكيده دوما أن اللاعب هو الأهم وأن دوره إبراز موهبتهم وقيمة الفن.
كما دعم حصول كبار اللعبة على الجوائز مثل "عم صابر المصري" الذي حصل على جائزتي الهيئة العامة للمسرح عام 2015، وعام 2016 جائزة "الشارقة الدولية للتراث الثقافي" من الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إيمانا منه بأن اللاعب هو كلمة السر وكنز فن الأراجوز.
بحماس شديد، يقول بهجت: "انتزعنا اعترافا محليا بموافقة وزير الثقافة المصري وقتها فاروق حسني لتثبيت موعد لعرض فن الأراجوز أسبوعيا، وتدريجيا خرجنا بعروض خارج مصر في أكثر من 30 دولة بـ5 لغات، ونحو 121 عرضا في أمريكا، لنصل إلى الاعتراف الدولي بإدراج اليونسكو فن الأراجوز على قائمة التراث غير المادي".
وعلى الرغم من توقف ملف الأراجوز لدى اليونسكو 4 سنوات، فإن إصرار بهجت استمر بتقديم الملف من جديد وإعلان اليونسكو في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 إدراج الأراجوز كتراث غير مادي.
تاريخ مصري
عن أصل فن الأراجوز، يقول بهجت: "يعود الفن إلى الفراعنة لكثرة التشابهات، وتعني كلمة أراجوز في المصرية القديمة صانع الحكايات. واهتم المصريون بتشكيل الدمى، حتى وجدت العرائس الماريونت داخل إحدى المقابر الفرعونية، وتشابهت العصا المنقوشة على جدران المعابد مع العصا المستخدمة مع الأراجوز، وبإعلان اليونسكو يحسم الأمر بمصرية فن الأراجوز".
تدريجيا تطور الفن في عهد الدولة الأيوبية، وسجل المؤرخ الأسعد بن مماتى سخرية من الحاكم المملوكي بهاء الدين قراقوش، وتعد جزءا من عروض الأراجوز حتى اليوم بعنوان "الحانوت والنصاب"، وتطور لبس الأراجوز بتطور لبس المصريين باختلاف العصور، بحسب حديث مؤسس فرقة "ومضة".
الأمانة والارتجال
طبيعة عروضه جعلت منه وسيلة تعليمية للأطفال ومجالا للسخرية من السلطة والمجتمع، فمكونات فن الأراجوز تضم العروس واللاعب والملاغي والنص.
عن مواصفات لاعب الأراجوز، يرى بهجت أن مهارة الغناء بمقامات واستخدامه لـ"الأمانة" وهي أداة الموسيقية ذات الوتر الواحد والصوت الحاد وتستخدم للأداء الصوتي للأراجوز، تحدد مستوى اللاعب، إضافة إلى قدرته على أداء صوتي لأكثر من شخصية في العرض الواحد.
فدرجة حفظ اللاعب نص العرض تساعده في بناء مواقف كوميديا ومفارقة لفظية وارتجال، ما يزيد من حجم تفاعل الجمهور معه، وهو الأمر الذي يتوقف أيضا على شخصية "الملاغي" المسؤول عن الإيقاع الموسيقي وإدارة الحوار بالعرض.
وتعد الموالد والبرفان والعربة والخيمة وسائط بين لاعب الأراجوز والجمهور أثناء العروض.
يبدأ العرض بداية غنائية وينتهي بتقديم رسالة وتلقين الأراجوز درسا للمخطئ الذي يحاول سلب حريته، وتوجد عروض تقاوم التقاليد والفساد، وأخرى ترسخ لمعانٍ وقيم وطنية (حرب بورسعيد – حرب 56)، واشتهرت نهاية العروض الرافضة للظلم والفاسد بعبارة "اطلع بره".
الاندثار
أصبح فن الأراجوز مهددا بالانقراض، نظرا لقلة عدد اللاعبين وغياب وسائل توريت الفن، حسب بهجت. يقول: "خطورة اندثار الأراجوز ترتبط بتأثيرها على الذاكرة الثقافية للتراث المصري لدى الأجيال الجديدة"، عادّا تحسين أوضاع اللاعبين اجتماعيا، وتأسيس مدرسة للأراجوز، بداية للحفاظ على هذا الفن.
وتمنى بهجت تأسيس متحف لعروس الأراجوز، تخليدا لتاريخ التراث المصري الذي ألهم العالم فن العرائس.