"اللجان النوعية".. بعث خلايا الإخوان الإرهابية لخلق الفوضى
تشير تقديرات خبراء وأمنيين إلى أن جماعة الإخوان عمدت خلال الأسابيع الماضية، إلى إعادة هيكلة "لجانها النوعية" التي تلقت ضربات أمنية متلاحقة على مدار السنوات الماضية.
و"اللجان النوعية" مصطلح ظهر في أدبيات الإخوان مع الانعطافة التاريخية في مسار التنظيم الإرهابي، في أعقاب إزاحتهم عن الحكم في مصر بثورية شعبية في منتصف 2013.
مرحلة التأسيس
ورغم أن ظهور التصدعات العميقة في بنية التنظيم تأخرت حتى عام 2020، إلا أن تأسيس ما عرف باللجان النوعية منذ أواخر عام 2013 وأوائل 2014، يعد أول مظاهر الانشقاق في صفوف الإخوان الذين تلقوا حينها صدمة كبرى بعد حملة أمنية واسعة طالت غالبية قيادات الصف الأول.
وبالنسبة لجماعة تعتمد على مبدأ السمع والطاعة كان بقاء نائب مرشد الإخوان والقيادي التاريخي محمود عزت خارج السجن، عاملا ساهم في استمرار مركزية هشة لإدارة التنظيم الذي انشغل حينها بحرب عبثية مع قوات الأمن المصري.
ومع انكفاء كوادر الجماعة التي احتاجت لثلاث سنوات من أجل استيعاب حجم التغيير في مزاج الشارع المصري الرافض للتنظيم الإرهابي، بدأت عناصر الداخل في لعق جراحها، فيما نشطت قيادات الخارج في محاولة للقفز على موقع السلطة بعد القبض على عزت عام 2020.
جبهات تتصارع
وللوقوف على سعي التنظيم الإرهابي لإحياء "اللجان النوعية"، لا بد من الإشارة إلى الرؤوس الثلاثية للإخوان، وعلاقتها بهذه الخلايا الخطرة.
انشق التنظيم إلى كتلتين أساسيتين الأولى بقيادة نائب المرشد والقائم الجديد بأعماله إبراهيم منير، الذي كان يفتقر إلى شبكة علاقات قوية في الداخل بحكم منصبه في التنظيم الدولي، والثانية بقيادة محمود حسين الأمين العام السابق للإخوان والذي ظل لسنوات ضمن القيادات الرئيسية داخل مكتب إرشاد الإخوان.
لكن بذور الانشقاق الأخطر ظل كامنا ولم يظهر إلا مؤخرا بالإعلان عن تأسيس كتلة جديدة يطلق عليها حاليا اسم "الكماليين"، نسبة للقيادي محمد كمال الذي قتل خلال اشتباك مع قوات الأمن المصرية عام 2016، فما هي هذه الجبهة وما علاقتها باللجان النوعية؟.
ماهي اللجان النوعية؟
أسس "اللجان النوعية" القيادي الإخواني محمد كمال، في أعقاب فض اعتصامين مركزيين للجماعة في ميدان رابعة العدوية شرق القاهرة، والآخر بمحيط جامعة القاهرة بمحافظة الجيزة.
وكان تشكيل اللجان النوعية بمثابة إعلان عن عزم الإخوان الاستمرار في الأعمال المسلحة والعدائية، ضد أجهزة الدولة ومؤسساتها وضد الشعب المصري نفسه.
وفي ظل القبض على قيادات الصف الأول ومع هروب بعضهم إلى الخارج تصدى محمد كمال؛ عضو مكتب الإرشاد عن محافظة أسيوط لإدارة العمل المسلح.
وكوّن كمال مجموعة تدير معه الجماعة أطلق عليها "اللجنة الإدارية العليا"، وفي غضون أشهر قليلة نجح بالدفع بالعديد من شباب الإخوان للانضمام إليه، لتكوين خلايا مسلحة، تعمل بطريقة "التنظيم العنقودي" وليس التنظيم الهرمي الذي عرفته الجماعة.
وشكل تأسيس اللجنة العليا واللجان النوعية بداية تصدع الجماعة، لكن آثاره لن تظهر إلا في وقت لاحق.
وضع كمال ومجموعة "اللجنة الإدارية العليا" عدة أهداف لتلك الخلايا، أولها إنهاك السلطات، واستنزاف الاقتصاد المتعثر أصلا على خلفية تداعيات أحداث يناير 2011، ثم إسقاط النظام الذي جاء إلى الحكم بتوافق وطني.
واستخدم "الكماليون" كافة وسائل العنف من أسلحة ومفرقعات وقنابل ومتفجرات بأنواعها، مستهدفين ضرب المؤسسات الحكومية والخدمية بعبوات ناسفة لتعطيل الخدمة، مثل مرفق السكة الحديدية، وأبراج ومحولات الكهرباء، واستهداف مباني ذات دلالة سيادية مثل أقسام الشرطة، ومديريات الأمن أو دواوين المحافظات.
كما استهدفت اللجان النوعية شخصيات عامة مثل النائب العام المصري، والشيخ على جمعة؛ مفتي الديار المصرية الأسبق، وعدد من رجال القوات المسلحة وقادة الكتائب والأفرع الرئيسية أو رجال الشرطة، ورجال القضاء، مع استهداف دور العبادة المسيحية، في محاولة لجر البلاد إلى حالة احتراب أهلي.
وبحكم تكوينه في أسيوط التي كانت معقلا للجماعة التكفيرية والخلايا الإرهابية طوال عقود، نجح كمال في استقطاب العناصر المتطرفة داخل الإخوان.
جذور الإرهاب من المؤسس البنا
ولم يكن من الصعب على كمال أن ينهل من فكر مؤسس الجماعة حسن البنا ونهجه خلال عملية بناء المجموعات المسلحة، فاللجان النوعية لم تكن إلا مسمى جديدا لما عرف بـ “النظام الخاص" الذي أسسه البنا منذ أواخر ثلاثينات القرن المنصرم.
وفي محاولة للتعمية على صلة الإخوان بالخلايا الإرهابية التي كان تشكيلها يجري على قدم وساق، منح كمال الحق لكل مجموعة العمل تحت مسمى من اختيارها.
وهكذا بدأت وسائل الإعلام المصرية تنشر أنباء عن تنظيمات حملت أسماء "كتائب حلوان" و"العقاب الثوري" و"عفاريت دمنهور" وحركة "حسم" و"ألوية الثورة" وغيرها من اللجان التي انتشرت وقتها، وعرفت بقيادة المظاهرات وإصدار بيانات ضد الدولة المصرية.
بنية التنظيمات العنقودية
وتشكلت اللجان النوعية التي تولى قيادتها كادر منوط به الاتصال باللجنة الإدارية العليا لتسلم التعليمات والتمويل اللازم للأنشطة الإرهابية، ثم فريق "الاستطلاع والرصد" قوامه 3 أشخاص على الأقل، مهمته التحري وجمع المعلومات عن تحركات الهدف أو الغرض المنوط استهدافه سواء بالتفجير أو بالاغتيال، ثم مجموعة "الدعم اللوجيستي" تتولى توفر الاحتياجات من الأسلحة ومواد صناعة المتفجرات، ثم "خبير في صناعة المتفجرات" أو أكثر، ثم "المجموعة المنفذة" وأخيرا مجموعة "التأمين" التي تؤمن هروب أو خروج المنفذين من موقع العملية.
وسمح للجان الخاصة بحسب قدراتها تحديد الأهداف، لكن كانت التعليمات الأساسية أن تظل العمليات قائمة حتى وإن اقتصرت على استهداف دوريات الشرطة، أو الاشتباك مع قوات مكافحة الشغب خلال المظاهرات الإخوانية.
وفي بداية عملها تمكنت اللجان الخاصة من إسقاط عدد كبير من عناصر الأمن، قبل أن تلتقط السلطات خيوط المخطط الإخواني وتبدأ في تفكيك شبكات التنظيمات العنقودية.
ومع موجة الاستياء الشعبي تجاه عنف الإخوان بدأت أصوات داخل الجماعة تتعالى محذرة من مخاطر الاستمرار استعداء الشارع المستنفر أصلا ضد الإخوان.
وقيعة وانقسام بين القيادات
وحينها ظهرت بوادر الأزمة الداخلية بين محمد كمال ومعه أعضاء اللجة الإدارية العليا من جهة وبين القيادة التاريخية محمود عزت ومحمود حسين وإبراهيم منير من جهة أخرى.
وبحكم هيمنة القيادات العليا على مصادر التمويل، أوقف عزت الدعم المقدم لكمال، وأصدر قرارات بفصل بعض القيادات المقربة منه، وبعد مقتله فر أعضاء لجنته إلى الخارج، وكونوا ما يعرف باسم المكتب العام للإخوان، وظلوا على موقفهم الرافض لقيادة المجموعة التاريخية وظلت المجموعة التاريخية ترفض ضمهم إلى الصف الإخواني.
وبحسب مصادر مطلعة عمدت قيادات الخارج خاصة في أنقرة أحيانا إلى إبلاغ السلطات التركية بأماكن اختباء "الكماليين؛ الأمر الذي أدى في النهاية إلى إضعاف الجبهة.
غير أن الوضع تغير فجأة، على وقع الصراع المتنامي بين منير وحسين، حيث عادت جبهة الكماليين للعمل في إسطنبول لتكشف أنشطتها عن قدرات تنظيمية ومالية لم تكن متوفرة لهم من قبل.
لماذا الآن؟
وتشير المصادر إلى أن الهدف من بعث اللجان النوعية لم يعد إسقاط الدولة المصرية، وإنما الضغط على السلطات من أجل قبول تسوية أوضاع الجماعة والحصول على عفو رئاسي عن مرشد الجماعة محمد بديع، وأعضاء مكتبه، المدانين في جرائم إرهابية.
وعلى ما يبدو تعكس هذه المعلومات وقوف جبهة القائم بأعمال المرشد خلف إعادة إحياء اللجان النوعية، حيث يتبنى منير استراتيجية إعادة الاعتراف بعمل الإخوان في الداخل المصري عبر تسوية مع النظام في القاهرة.
وربما تتفق الجبهات الثلاث، في وقت تكثف فيه الجماعة دعوتها إلى التظاهر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على خلق بيئة مناسبة لاستعادة نشاط اللجان النوعية ودفع السلطات لقبول الإخوان ضمن حوار وطني، دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أبريل/نيسان الماضي، واستبعدت الجماعة من المشاركة فيه.
ويأمل منير على ما يبدو في استغلال الوضع الاقتصادي الصعب الناتج عن آثار الحرب في أوكرانيا وإغلاق كورونا لإثارة الفوضى في مصر، لإجبار السلطات على قبول تسوية -ولو مرحلية- معه ليتمكن على الأقل من إحكام قبضته على التنظيم المتداعي وتقديم مكسب للصف الإخواني وأمل في العودة من جديد إلى الساحة.
لكن مراقبين يقولون إن أزمة قيادة الإخوان تكمن في عدم إدراكهم بعد أن أزمتهم لم تعد مع السلطات الرسمية في مصر، وإنما في ملايين البيوت التي أدركت خلال سنة من حكمهم هشاشة خطابهم السياسي ونزعتهم العنصرية.