المصريون القدماء أول من توصلوا إلى وجود الكُلى في العالم
برديات مصرية قديمة تحتفظ بها جامعة كوبنهاجن في الدنمارك تكشف عن أسرار جديدة في الطب الفرعوني.
كشفت نسخ من برديات مصرية قديمة تحتفظ بها جامعة كوبنهاجن في الدنمارك عن أسرار جديدة في الطب الفرعوني، أهمها أن الفراعنة عرفوا بوجود عضو الكلى.
وأثبتت نسخ البرديات التي عكف على ترجمتها فريق بحثي دولي، معرفة المصري القديم بوجود عضو الكلى، ليكون ذلك هو أقدم نص طبي معروف في هذه المساحة.
وأثير الخلاف بين العلماء حول معرفة المصري القديم بالكلى، استنادا إلى أنه أثناء التحنيط كان يتم إخراج كل ما في داخل الجسم عدا الكلى، وقال فريق من العلماء أن ذلك يعني أن المصري القديم لم يعرف عنها شيئا؛ لوقوعها خارج التجويف البطني، تحيطها الدهون الموجودة بتلك المنطقة.
وفي مقابل هؤلاء، ذهب عالمان آخران اسمهما فوكنر، عام 1962، وليسكو، عام 1982، إلى أن المصري القديم عرف الكلى، وسماها باسم "ججت"، ولكن الكشف الجديد ربما يحسم هذا الجدل.
ويقول عنبر يعقوب، عضو الفريق البحثي، والباحث بمعهد دراسة العالم القديم في جامعة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية: أن النص الذي كشف معرفة المصري القديم بالكلى، مصدره مكتبة معبد تبتنيس الذي يوجد على بعد 30 كم جنوب غرب محافظة الفيوم، والتي كانت موجودة قبل مكتبة الإسكندرية الشهيرة بفترة طويلة، حتى عام200 قبل الميلاد".
ويضيف في تصريحات نقلها موقع phys.org، المهتم بالأخبار العلمية"وجدنا في النص أدلة على أن قدماء المصريين كانوا يعلمون بوجود الكلى، وهو ما ينفي ظنون بعض الباحثين الذين قالوا أن المصريين لم يعرفوا شيئا عن الكلى".
وتمتلك جامعة كوبنهاجن مجموعة فريدة من مخطوطات البرديات المصرية القديمة، والتي تعرف باسم "برديات كارلسبرج"، والتي لم يتم ترجمة جزء كبير منها حتى الآن، وتوصف بأنها الأكثر ثراء من بين أوراق البردي الطبية المصرية، حيث تحتوي على كميات كبيرة جدا من الأوراق المقلدة لأوراق البردي الأصلية، مقارنة بأي مجموعات برديات أخرى، وتتعامل هذه الأوراق بشكل رئيسي مع علاج كثير من الأمراض.
الفراعنة والتنجيم
وترجع أهمية الدراسة الحالية التي ستنشر تفاصيلها قريبا إلى أنها أضاءت كثيرا من مناطق الظلام فيما يتعلق بالطب المصري القديم، كما يؤكد عالم المصريات كيم ريهولت، رئيس مجموعة كارلسبرج للبرديات في الجامعة.
ويقول ريهولت: "إضافة إلى اكتشاف معرفة المصري القديم بالكلى، تم الكشف أيضا عن علاقة المصري القديم بالتنجيم".
وبينما ينظر إلى التنجيم هذه الأيام على أنه "علم زائف"، تكشف نصوصا تمت ترجمتها، على أنه كان أداه مهمة عند المصري القديم للتنبؤ بالمستقبل.
ويقول ريهولت:"كان هذا العلم هو الوسيلة لتفادي الذهاب إلى الحرب في يوم سيئ، وبناء على ما يصل للملك من القائمين على هذا العلم كان يقرر إن كان سيذهب للحرب أم لا".
ويشير التقرير الذي نشره phys.org أيضا إلى أن أحد النصوص التي ستتضمنها الدراسة تتعلق بعلاج وصفه المصريون القدماء لأمراض العيون.
ونقل التقرير عن ريهولت قوله: "عند الحديث عن تاريخ العلم؛ غالباً ما يكون التركيز على ما هو قادم من الحضارة اليونانية والرومانية، ولكن لدينا مواد مصرية تعود إلى ما هو أبعد من ذلك، وقد كُتبت أحد النصوص الطبية قبل 3500 سنة عندما لم يكن هناك أي مادة مكتوبة على القارة الأوروبية ".
ويقول الباحث صوفي شيودت من جامعة كوبنهاجن، والذي عمل على تحليل هذا النص: "فوجئنا بأن جانبا واحدا من هذه المخطوطة يصف علاجات غير عادية لأمراض العيون".
ويضيف :"هذه الأسرار الجديدة تؤكد تقدم المصريين القدماء طبيا، إلا أنها لم تكن غريبة على حضارة عرفت اختبار الحمل كما تكشف بردية عثر عليها في متحف برلين".
ويرجع تاريخ هذه البردية إلى عام 1350ق.م، وسجل عليها أن المرأه عند الفراعنه كانت تبلل بعضا من حبات الشعير والقمح بقليل من ماء البول الخاص بها، فإذا نما الشعير وحده خلال عدة أيام كان الجنين ذكرا، وإذا نما القمح وحده كان الجنين أنثى، وإذا لم يتأثر القمح أو الشعير ولم تنمُ الحبات كان الحمل كاذبا.
ويشير الكثير من الباحثين إلى أن الفلكلور الألماني عرف نفس الطريقة لاختبار الحمل عام 1699، بما يعني أن الأفكار المصرية تركت آثارا بعد مرور آلاف السنين، كما يؤكد شيودت.
الاكتشاف الأهم
ومن بين الاكتشافات التي أشارت إليها الدراسة، يصف كاتب علم المصريات بسام الشماع ما تم إعلانه عن معرفة المصري القديم بالكلى، بأنه "الاكتشاف الأهم".
ويقول الشماع لـ"العين الإخبارية": "كانت هذه واحدة من أكثر نقاط الخلاف بين العلماء، وأنا متشوق جدا لإعلان تفاصيل النص الذي جعلهم يجزمون بأن المصري القديم عرف بوجود الكلى".
ويوضح أن العالم الشهير "نون" صاحب أشهر كتاب عن الطب المصري القديم، لم يستطع حسم الخلاف ووضع أمام كلمة "ججت" التي قال بعض العلماء إن المصريين أطلقوها على عضو الكلى علامة استفهام، أثناء نشره صورة لجسم الانسان توضح أسماء الأعضاء عند المصري القديم.
ويضيف: "نجاح الدراسة في إزالة علامة الاستفهام التي وضعها (نون)، يعد في حد ذاته إنجاز كبير".
وسواء عرف المصري بوجود الكلى أم لا، فإن وجودها في الأجسام المحنطة قد ساعد في التأريخ لمرض البلهارسيا، وهذه خدمة قدمتها الحضارة المصرية للعالم.
ويقول كاتب علم المصريات: "إذا كان العالم الألمانى تيودر بلهارز قد اكتشف المرض فى عام 1851، وأعطى له اسمه، فإنه في عام 1910 اكتشف سير مارك روفر، وهو رائد علم أمراض المومياوات شيستوسوما (دودة البلهارسيا) متكلسة في الكلى، وذلك في مومياوات يرجع زمنها إلى الأسرة العشرين من التاريخ المصرى القديم".