أطباء مصريون وزوجاتهم يروون لـ"العين الإخبارية" لحظات الخوف في حرب كورونا
الأطباء يخشون في أحيان كثيرة أن يكونوا حاملين لفيروس كورونا، ما جعلهم يتعاملون مع عطلتهم باعتبارها فترة حضانة
يحرص آلاف الأطباء المصريين على عزل أنفسهم عند عودتهم لمنازلهم في إجازة، رغم سلبية التحاليل وتأكدهم من عدم إصابتهم بكورونا، حرصا منهم على ذويهم من أي احتمالات ممكنة خلال فترة الحضانة.
ويخشى هؤلاء الأطباء في أحيان كثيرة أن يكونوا حاملين للفيروس، ما جعلهم يتعاملون مع عطلتهم باعتبارها فترة حضانة، وهي مدة الـ١٤ يوماً التي يقضيها المشتبه في إصابته داخل الحجر الصحي.
فيما تتخذ مجموعة أخرى من الأطباء قرارها بعدم العودة للمنزل طيلة أزمة كورونا، فبعضهم استمر في ممارسة عمله داخل العزل دون راحة، والبعض الآخر استأجر أماكن بعيدة عن منازلهم، وتكون قريبة في الوقت نفسه من مستشفى العزل.
الشافعي وأسرته.. طوارئ منزلية
وقال الطبيب أحمد الشافعي، أخصائي الباطنة والمناظير بمستشفى ١٥ مايو بحلوان (جنوبي العاصمة) لـ"العين الإخبارية": "مع انتهاء مدة عملي في العزل، اتخذت قراري بعدم مخالطة أسرتي خلال الفترة الأولى من عودتي، لأني أخشى عليهم من أي احتمالية لإصابتهم بفيروس كورونا".
ويتذكر "الشافعي" كيف هاتف زوجته وأخبرها "استعدي أنت والأولاد كي تبقوا عند والدتك خلال الأسبوع الأول من عطلتي، لحين ظهور المسحة الثانية لتحليل الـ(بي سي آر) وأكون مطمئناً تماماً".
ومع عودة أسرته للمنزل، استمر "الشافعي" في عزل نفسه بإحدى الغرف، وعلق على هذا الأمر قائلاً: "مازلت أطبق العزل.. كل ما هنالك أنهم أصبحوا معي بالمنزل، لأني لا أعلم قد أعود للمستشفى في أي وقت، لذا حاولت الموازنة بين وجودي معهم والحفاظ على سلامتهم".
ولا ينسى الطبيب الشاب أن يكرر على مسامع أسرته الصغيرة الإجراءات الوقائية، وأهمها منع الزيارات المنزلية، وتقليص التعاملات مع عمال التوصيل سواء أطعمة أو صيدلية.
وقالت المهندسة ولاء عبدالودود، زوجة "الشافعي" لـ"العين الإخبارية": "لا أنسى كيف صُدمت للوهلة الأولى عندما أخبرني أنه بصدد الذهاب لمستشفى العزل.. انتابتني مشاعر خوف وقلق عليه وعلى أسرتنا الصغيرة، لكني سرعان ما شجعته خاصة أنه واجبه الذي أقسم عليه".
ولا تغيب عن مخيلة زوجة الشافعي مشاهد عدة، منها رسالته لها قبل إجرائه أول منظار جراحة لمريض كورونا، وكيف حاولت عدم نقل قلقها له، ويوم عيد ميلاد ابنته الكبرى مريم (9 سنوات) الذي كان حينها داخل العزل.
وأوضحت: "كنت أخشى حزن ابنتنا مريم، لكني فوجئت بتفهمها عدم وجود والدها في هذا اليوم عندما قالت لي: بابا غير موجود لأنه يحارب كورونا".
عبدالوهاب.. تفاؤل وتأهب
يواصل الطبيب المصري محمد عبدالوهاب، وهو أخصائي باطنة، الليل بالنهار داخل مستشفى مبرة مصر القديمة التي تستقبل حالات الاشتباه بكورونا بشكل يومي.
وقال "عبدالوهاب" لـ"العين الإخبارية": "رغم أن المستشفى الذي أعمل به ليست مخصصة للعزل، لكننا نتعامل يومياً مع أشخاص لديهم شكوك حول إصابتهم، كما أننا حالياً نستعد لأي طوارئ محتملة".
هذه الاستعدادات بدأت مع تدريب محمد وزملائه على عمل الرعاية، وفق توجيهات وزارة الصحة المصرية، تحسباً لأي انتشار لفيروس كورونا يدفع لتخصيص عدد جديد من المستشفيات للعزل.
وبنبرة لا تخلو من الإرهاق، قال "عبدالوهاب": "أعمل ٤٨ ساعة متواصلة، تمر عليّ أيام لا أرى فيها أسرتي، وأكتفي بمهاتفتهم".
يعود "عبدالوهاب" للمنزل كلما سنحت له الفرصة، خاصة أن عمله ما زال قاصراً على مستشفى عام، لكنه لا يخفي قلقه على أسرته فيقول: "تأثرت حياتنا الاجتماعية بعد كورونا بكل المحيطين بنا، وأصبحت أكثر قلقاً على عائلتي لدرجة جعلتني لا أرى والدتي لأكثر من ٣ أسابيع حتى الآن".
يسمي الطبيب "عبدالوهاب" زوجته بمسؤولة مكافحة العدوى في منزلهم، حيث تباشر الإشراف على اتباعه كافة الإجراءات الوقائية، وهو ما يشعره باطمئنان، على حد وصفه.
وقالت سمر أحمد، زوجة "عبدالوهاب"، التي تعمل صيدلانية: "سلامة المرضى اختصاص عبدالوهاب وغيره من الأطباء، لكن ما إن يعود للمنزل تنتقل المهمة لي. أبدأ بتعقيم كل متعلقاته الشخصية، وأغسل ملابسه على الفور، وأحاول الاهتمام بالأكل الصحي لرفع مناعته".
وتُحضر "سمر" في الصباح حقيبة صغيرة لزوجها الطبيب، تحتوي على صابون وكحول وقفاز طبي وكمامات، وتسميها شنطة الأمان، يبقيها معه لحين عودته مجدداً للمنزل.
ولا تغادر زوجة عبدالوهاب وطفلها المنزل منذ ٣ أشهر تقريباً، وتعتبر ما يمرون به فترة مؤقتة ستنتهي في حال التزام الناس بالبقاء في منازلهم.
ويستمد "عبدالوهاب" روح التفاؤل من زوجته قائلاً: "الوضع في مصر ما زال تحت السيطرة، نحن نستعد فقط لكافة السيناريوهات، لكننا لم نلجأ حتى الآن لإعلان حالة الاستنفار سواء كقوى بشرية أو أماكن مخصصة للعزل".
رامي.. عزل مبكر
يطبق طبيب التخدير والعناية الجراحية رامي رزق العزل المنزلي مع أسرته قبل تحول مستشفى قها الجامعي بمحافظة القليوبية (شمالي العاصمة) إلى أحد مستشفيات العزل الرئيسية بمصر.
وقال رامي لـ"العين الإخبارية": "منذ اليوم الأول لظهور أول حالة إصابة بكورونا في مصر، أطبق العزل المنزلي مع زوجتي وأولادي، فأبقى داخل غرفة منعزلة ولا أخرج إلا في أضيق الحدود".
ويعزل رامي نفسه عن والدته التي تسكن في الشارع المجاور له، ويقول: "أخاف عليها لأن سنها كبير، ولن تتحمل أي عدوى، حتى طلبت من أخواتي أن يفعلوا مثلي".
عبير عبدالفتاح، زوجة رامي، تتذكر الأيام الأولى للعزل، وتقول لـ"العين الإخبارية": "زوجي كان حريصاً على سلامتنا من اليوم الأول لدخول كورونا مصر، وكان دائماً يخبرني بقلقه الشديد على الناس، حتى عندما جاء خبر ذهابه لمستشفى العزل، لم يتردد وإن كان قلقاً علينا".
وتابعت: "حاولت تشجعيه أنا ووالدته، وأخبرته أن قراره بمساعدة المرضى قرار صائب، وأن أي قرار آخر سيحاسبنا الله عليه، وحاولت ألا أنقل له مخاوفي، لكنه شعر بي وطمأنني أنه سيحافظ على سلامته في العزل".
ولا يزال "رامي" يتزكر كيف استقبل أول حالة لطفلة عمرها ٤ سنوات، وكيف هاتف زوجته بعدها، وكرر على مسامعها ما اتفقا عليه قبل ذهابه للحجر الصحي، وهي "ثلاثة لاءات، على حد تعبيره، لا للخروج هي والصغار، لا لاستقبال الزيارات المنزلية، لا نسيان لغسيل الأيدي بالماء والصابون على فترات متقاربة".
وبعيون قلقة يخرج الطبيب صورة أطفاله الصغيرة من جيبه، ويقول: "لدي طفلين أصغرهما حبيبة عامين.. منذ شهر فبراير/شباط، ولا يغادران المنزل مع والدتهما، كل حالة جديدة أتعامل معها تضاعف من قلقي عليهم".
وأضاف: "رغم أني لم أرهم منذ قرابة شهر، لكنهم معي في روتيني اليوم، عندما أقوم بتركيب أنبوب حنجري لمريض كورونا، ما يجعلني عرضة للخطر لاقترابي الشديد منه أتذكرهم فأكون أشد حرصاً في الالتزام بكافة الإجراءات الوقائية، ضماناً لسلامتي وسلامة المجتمع".