"الكا".. رحلة المصري القديم بعد الموت
أهمية الكشف الأثري الذي أعلنه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر تتعلق بهيئة التمثال التي تجسد رمسيس الثاني على هيئة "الكا"
عملية تنقيب غير قانونية بمنطقة ميت رهينة بالجيزة غربي القاهرة، كشفت قطعة أثرية مهمة، وصفتها وزارة الآثار المصرية بـ"الكشف الأثري النادر" للملك رمسيس الثاني"، ثالث ملوك الأسرة الـ19.
أهمية الكشف الأثري الذي أعلنه مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، تتعلق بهيئة التمثال التي تجسد رمسيس الثاني على هيئة "الكا"، إضافة لانتماء التمثال لأهم ملوك مصر الذي حكم نحو 67 عاما خلال الفترة من "1279- 1213" قبل الميلاد.
ما هي "الكا"؟
ظن المصري القديم أن الإنسان يتكون من 9 أجسام، ويقابل رقم 9 لجسم الإنسان رقم 9 في "تاسوع هليوبوليس" (مجموعة من كبار المعبودات المصرية القديمة التي تنسج حولها الأساطير وتتحدث عن الخير والشر)، ويشير الرقم إلى نشأة الكون، وبعد الموت تبعثر المعبودات الـ9 ويبقى "الكا"، بحسب الخبير الأثري مجدي شاكر.
وتعني "الكا" النسخة الأثرية من الجسم المادي (طبقة تحيط بالجسم المادي للإنسان متعلقة بالقالب الخارجي لأجهزة الجسم) أو القرين الذي يتعرف على المتوفى في العالم الآخر.
ووفقا للمعتقد الفرعوني، فإن "الكا" كانت تظهر للوجود عندما يصور المعبود الخالق "خنوم" الجسد المادي والروح معا، وهو على عجلته الخاصة المعروفة بـ"عجلة الفخراني".
ويشير الدكتور مجدي شاكر، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن رمز "الكا" عبارة عن "ذراعين مرفوعتين إلى أعلى".
أسطورة الكا
أهمية "الكا" عند الفراعنة، ارتبطت بكونها مصدرا للحياة والطاقة الحيوية، ولأن المعتقد المصري القديم يرتكز على أن الطاقة مصدرها خارجي، تنبع من أرواح الأجداد الذين رحلوا عن العالم وانتقلوا إلى عالم الروح، ولا تنبع "الكا" من داخل الإنسان نفسه.
وأوضح "شاكر": "اعتقد المصري القديم أن الأجداد الذين انتقلوا لعالم الأرواح، هم من لديهم القدرة على توجيه طاقة الحياة من مصدرها الذي تنبع منه إلى عالمنا المادي، وتنتقل طاقة الحياة بتوجيه من الأجداد، ويشبه بعمل الملاحة، وتوجيه دفة القارب إلى عالمنا، بهدف تغذية الكائنات الحية من إنسان ونبات وحيوان".
وبعد الموت تهيم "الكا" داخل المقبرة، وتسكن في الجسد المحنط، أو داخل تمثال" الكا" أحد مقتنيات المقبرة، وفي الوقت نفسه تصبح "الكا" لديها قدرة للانفصال عن الجسد أو التمثال والتحرك باستقلالية، وتمارس حياتها وتأكل وتشرب بحرية.
وأضاف "شاكر" أن "الكا" نوعان، الأول هو "الكا العليا"، مثل الملاك الحارس، والأخرى "الكا السفلى" التي يكتسبها الإنسان من معرفته وخبرته على الأرض، وتظل منفصلة عن الجسد طوال حياة الإنسان وفي حال موته يعود إلى "الكا"، وكان يقال عن الشخص المتوفى إنه "عاد إلى كائه" ما يعني عادت روحه إليه.
وأشار الخبير الأثري إلى استمرار هذه المعتقدات حتى يومنا هذا في الموروث الشعبي المصري الذي يظن أن روح المتوفى تظل تشعر بأسرته وتتفاعل مع الأحداث السعيدة والحزينة.
بيوت الروح
وفي نهاية الدولة القديمة، ومرورا بعصر الانتقال الأول حتى بداية الدول الوسطى، ظهرت نماذج مصغرة للكا مصنوعة من الطين، تشبه التخطيط العام لمنازل الطبقات الفقيرة والوسطى، حتى أطلق عالم المصريات فلندرز بتري عليها اسم بيوت الكا، بحسب شرح الخبير الأثري.
وكانت هذه البيوت جزءا من الطقوس الجنائزية، بهدف مساعدة الإنسان للحصول على حياة جديدة تختلف عن حياته السابقة، وتتيح له الانتقال بحرية بين العوالم المختلفة، بجانب الاستمتاع بمتع الحياة، عبر امتصاص رحيق الطعام الذي يقدم على موائد القرابين بالعالم الآخر.
وحرص الفراعنة على إنشاء سرداب داخل مقابر الدولة القديمة، يحتوي على تمثال الكا، وأوضح "شاكر" أن التمثال يتحول إلى كيان حي عبر طقوس فتح الفم، لتشحن جزءا من طاقته الروحانية، ويتحول الجسم الساكن الهامد إلى جسم حي ببث الكا فيه.
كشف مهم
ورغم احتواء أغلب مقابر الدولتين القديمة والوسطى على تماثيل للكا، لكن تصبح الاكتشافات الأثرية لتماثيل الكا نادرة.
ويعد تمثال رمسيس الثاني المكتشف حديثا بميت رهينة، أول تمثال "كا" مصنوع من الجرانيت الوردي يتم العثور عليه، ويبلغ الجزء المكتشف من التمثال 105 سم وعرض 55 سم وسمك 45 سم، يصور رمسيس الثاني مرتديا باروكة تعلو رأسه رمز الكا.
بينما عثر على أول تمثال للكا مصنوع من الخشب لأحد ملوك الأسرة الـ13، ويدعى "آو ايب رع حور"، ويعرض بالمتحف المصري بوسط القاهرة، ويبلغ طوله 77 سم وعرض 27 سم وارتفاع 170 سم، ويصور الملك وفوق رأسه ذراعين مرفوعتين لأعلى.