كيف استقبل المصريون وفاة جمال عبدالناصر؟
في ذلك المساء، من يوم 28 سبتمبر/أيلول 1970، توقف الزمن، فصمت الكلام، فعلا صوت البكاء والأنين على فقيد مصر والأمة العربية.
إنه الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، الذي وافته المنية في مثل هذا اليوم، إثر نوبة قلبية في القاهرة عن عمر يناهز 52 عاما، في وداع مؤلم لمصر والعالم العربي.
كانت الدموع على خدود نائب الرئيس محمد أنور السادات عندما أعلن وفاة عبدالناصر في بث تلفزيوني في وقت متأخر من الليل "الجمهورية العربية المتحدة والأمة العربية والإنسانية جمعاء فقدت رجلا من أعز الرجال وأخلصهم".
في ذلك المساء، توقفت جميع محطات الإذاعة والتلفزيون فجأة عن برامجها، وعمّ الحزن والصمت في كل الأرجاء، فالحدث كان جللا، والفقد غاليا.
في صباح اليوم التالي، اتشحت البلاد بالسواد، ومن لم يستطع سبيلا للقاهرة يسير في جنازات رمزية في ربوع مضر.
وكانت الجنازة الرسمية بعد ذلك مهيبة شارك فيها مئات الآلاف من أبناء الشعب المصري وممثلو الشعوب العربية، إلى حد أنها وُصفت إعلاميا بـ"جنازة القرن" أو "وداع القرن".
وأقيمت لعبد الناصر جنازات من جميع محبيه في العالم، وفي البلدان العربية مثل: السودان، وفلسطين، وليبيا، ولبنان، وسوريا، وتونس، والجزائر، والمغرب، والكويت ودول أخرى.
وعبر القمر الصناعي لأول مرة، نُقلت جنازة جمال عبدالناصر للعالم أجمع، فيما ألقى ثلاثة من الشباب بأنفسهم في النيل للوصول أسرع للضفة الأخرى للحاق بموكب الجنازة.
اشتركت 12 طائرة ميج في التحليق فوق الموكب الحزين، فيما شارك نحو 500 صحفي عالمي في تغطية موكب الوداع.
حياة الزعيم
ولد جمال عبدالناصر في 15 يناير/كانون الثاني عام 1918 في حي شعبي بالإسكندرية، وكان الابن الأكبر لعبدالناصر حسين الذي ولد في عام 1888 في قرية بني مر في صعيد مصر في أسرة من الفلاحين.
لكن والد جمال حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفي بصعوبة سداد ضرورات الحياة.
وبدأت مسيرة جمال عبدالناصر العسكرية وهو في الـ19 من عمره، حينما حاول الالتحاق بالكلية الحربية إلا أن محاولته باءت بالفشل، فاختار دراسة القانون في كلية الحقوق في جامعة فؤاد (القاهرة حاليا).
وحين أعلنت الكلية الحربية عن قبولها دفعة استثنائية تقدم بأوراقه ونجح هذه المرة، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان في يوليو/تموز 1938.
ولعب جمال عبدالناصر دورا مهما في تشكيل وقيادة مجموعة سرية في الجيش المصري، أطلقت على نفسها اسم "الضباط الأحرار"، واجتمعت فى منزله في يوليو/تموز 1949.
وضم الاجتماع ضباطا من مختلف الانتماءات والاتجاهات الفكرية، وانتُخب فى عام 1950 رئيسا للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، وحينما توسّع التنظيم انتُخبت قيادة للتنظيم وتم اختيار عبدالناصر رئيسًا لتلك اللجنة، وانضم إليها اللواء محمد نجيب الذي أصبح فيما بعد أول رئيس جمهورية في مصر بعد نجاح تحرك الضباط.
غير أنه سرعان ما دب الخلاف بين عبدالناصر ومحمد نجيب، ما أسفر في النهاية عن قيام مجلس القيادة برئاسة الأول بمهام رئيس الجمهورية، ثم أصبح في يونيو/حزيران 1956 رئيساً لجمهورية مصر العربية وبقي في المنصب حتى وفاته.