الخطر الأبرز الذي تواجهه مصر اليوم بل العرب جميعاً وفي طليعتهم مصر هو المشروع التركي الذي يهدد المشروع العربي ككل
كانت وما زالت مصر بالنسبة للعرب حكومات وشعوباً هي بوابة كل القرارات العربية ومناصرة قضاياها, ومن يراجع التاريخ يجد أنّ كل هدف عربي لا تشارك فيه مصر أو لا تكون من أعمدته أرض الكنانة فإنه أعرج, وذلك لعظم الدور المصري على كافة الأصعدة السياسية منها والعسكرية.
كما أن أي تغير سياسي أو فكري يحدث في مصر فلن يقف عندها إلا عندما يصل العرب جميعاً, وبالتالي فإن الأمن القومي العربي لا ينفصل عن مصر كما أن الأمن المصري لا يمكن بحال أن ينفصل عن الأمن العربي.
ولعل الخطر الأبرز الذي تواجهه مصر اليوم بل العرب جميعاً وفي طليعتهم مصر هو المشروع التركي الذي يهدد المشروع العربي ككل, لذلك نجد مصر اليوم تضطلع بواجباتها الوطنية والقومية والإقليمية في التصدي لهذا المشروع الذي لن يقف عند حدود "ليبيا" فحسب، بل إنْ نجح فلن يكون له من ارتدادات سوى تصدير المشروع الأردوغاني على دول الجوار كمصر وتونس والمغرب وإلى المحيط الإقليمي العربي.
ولا يمكن الاستهانة بهذا الخطر كما يصفه بعض المحللين أو ما يسمى بالناشطين بأنه مجرد توهم وخوف من أشباح لا وجود لها, وكل ذلك في محاولة لتمرير هذا المشروع ريثما يستوي كما يريد له داعموه ممن يضربون بالعروبة والأمن العربي عرض الحائط.
إن الأمن القومي العربي لا ينفصل عن مصر كما أن الأمن المصري لا يمكن بحال أن ينفصل عن الأمن العربي.
أما مصر فنجد أنها متنبهة بل وجادّةً في التصدي لهذا الخطر المحدق, وما تصويت مجلس النواب المصري أمس الأول الإثنين بالموافقة على تفويض رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في التدخل العسكري المباشر على الأرض الليبية حال استوجب الأمر إلا رسالة جادة تتوزع على محورين رئيسين:
الأول: رسالة إلى الداخل المصري والعربي عموماً مفادها أننا اليوم أمام خطر حقيقي قد لا تكفي المناورات السياسية والأوراق الاستراتيجية في كبح جماحه كونه خطرا أرعن لا يضع نصب عينيه إلا تحقيق الأحلام السلطانية والمرشدية بأية وسيلة كانت وبأية طريقة تساهم في تعويم هذا المشروع, وبخاصة بعد أن صار التدخل التركي جهاراً نهاراً مباشراً غير آبهٍ بأية خصوصية سياسية أو طبيعةٍ اجتماعية بل وحتى ارتباطات عضوية لهذا البلد "ليبيا" على مستوياته الداخلية الخاصة أو على مستواه الإقليمي والدولي, فلم يبقَ أمامنا من بدٍّ غير التأهّب لأي عمل تقتضيه المصلحة الوطنية أو القومية.
الثاني: على الصعيد الخارجي والذي ينقسم إلى شقٍّ موجه للمشروع المضاد بأنّ الصبر بدأ ينفد وأنّ كل الخيارات باتت مفتوحة وعلى الطاولة, وأنّ الاستعداد تامٌّ لأي نوع من الواجبات التي من شأنها احتواء الخطر والمحافظة على السلام الأهلي الليبي والركون إلى الحلول السلمية التي لا يمكن أن تتم دون حوار سياسي وتفاهمات دولية على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بما يضمن أمن واستقرار ووحدة ليبيا,
أما الشق الثاني من هذه الرسالة فهي موجهة للخارج العربي أو المحيط القومي بأنّ هذه المرحلة مفصلية بالنسبة للوجود العربي وإثبات فاعلية المشروع العربي من خلال التأكيد على أنه مازال موجوداً وفاعلاً وأن مصر على استعداد تامٍ بأنْ تكون – وعلى درجة عالية من الجدية متجسدة بقرار مجلس النواب المصري - السد المنيع في وجه هذا الخطر الداهم فلم يبقَ أمام العرب سوى التكاتف مع مصر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لإفشال هذه المخططات.
لا يخفى على أحد ما يعانيه الوطن العربي اليوم من أوضاع سياسية وأمنية صعبة ولا سيما بتصديه لمشروعين حاقدين لمرشدَين لا يرَونَ في البلاد العربية اليوم إلا فريسةً مدماة لا بد من الانقضاض عليها, وأكثر ما يؤسف في هذا المقام هو تعاون بعض العرب مع هذين المشروعين وتبنيهما ضد مشروع أبناء دينهم وقوميتهم.
لذلك فإنّ ما تقوله مصر اليوم عن خطورة هذا المشروع سواء بالتصريحات السياسية أو بالأفعال الحقيقية الجادة كتصويت البرلمان المصري الأخير فإنّ الخطر كبير والتصدي له واجب وبأن مصر قادرة لأنك لم تعهد في التاريخ كله عن مصر إلا أنها إذا قالت فعلت وأنها الرقم الصعب, فإذا قالت مصر فأنصتوا لها لأنّ القولَ ما تقوله مِصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة