المتغير الذي يحمل كثيرًا من الأمل هذه المرة نبع من أسفل، حركة الوعي العراقية خرجت من الشعب
في اليومين الماضيين، كثر الحديث عن الزيارة التي كانت مرتبة إلى المملكة العربية السعودية من قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والتي تم تأجيلها بسبب الوعكة الصحية التي تعرض لها خادم الحرمين الشريفين، على أن يعاد تحديد موعد لها بعد الاطمئنان على صحة العاهل السعودي.
هذه الزيارة ليست الأولى لمسؤول سياسي عراقي كبير، فلماذا كان الاهتمام بها حتى على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام العربي؟
مما لا شك فيه أن أي محاولة انفتاح عراقي ناحية محيطه العربي هي خطوة شديدة الأهمية، بل ترتقي إلى أمل عربي في استرداد العراق، الذي سرقته إيران وأذنابها منذ ما بعد 2003 وحتى الآن.
الشيء الآخر هو التعويل كثيرًا على شخصية الكاظمي، باعتباره مختلفا بعض الشيء عما سبقوه نوري المالكي، حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، والذي جعل هذا الاختلاف يتأكد لدى البعض، أنه جاء بعد احتجاجات شعبية وتعثرات سياسية في اختيار شخصية سياسية يتوافق عليها الجميع.
ربما الذي زاد مقبولية الكاظمي أكثر لدى شرائح المجتمع العراقي، ما بدأ عمله تجاه المليشيات المحسوبة على إيران حتى لو كانت خطواته خجولة.
المتغير الذي يحمل كثيرًا من الأمل هذه المرة نبع من أسفل، حركة الوعي العراقية خرجت من الشعب، من الشباب، إرادة تنبني على فكرة التحرر من الاستعمار الإيراني، فكر العراق للعراقيين.
أعود إلى أهمية هذه الزيارة أو التعويل عليها باعتبارها فتح ثقب في جدار حصار العراق وعزله عن محيطه العربي.
من المؤكد أن أي تحرك سياسي أو اقتصادي أو دبلوماسي من العراق تجاه أي بلد عربي فهو محمود وله أهميته، خصوصا لو كانت السعودية لأن الانفتاح ناحية السعودية يعني السير عكس الإرادة الإيرانية بلا أية مواربة، هذا قد يكون محاولة لإثبات قوة القيادة السياسية العراقية وتمردها في مواجهة القفص الإيراني.
لكن الأهم هو ليس الزيارة وإنما تنفيذ ما يتمخض عنها، وهذا هو التحدي الأكبر والأبرز.
فإيران خبيرة في فكرة ديمقراطية الفعل والتحرك وعرقلة التنفيذ.
هنا السؤال المهم هل إذا ما تمت الزيارة ووقع الطرفان على حزم الاتفاقات المنتظرة في النفط والطاقة والغاز وغيرها، هل ستكون القيادة العراقية قادرة على تنفيذها؟
لماذا هذا السؤال الذي قد يبدو تعجيزيًا؟
ليس من باب تثبيط الهمم ولا إطفاء فوانيس الزيارة، وإنما من باب التأسيس الحقيقي على ما يتمناه المخلصون في العراق.
التعامل مع الخوف من أن تتحول تلك الزيارة إلى مجرد ديكور دبلوماسي وفقط، خصوصا أن هناك زيارات تمت بالفعل من قبل رئاسة الوزراء العراقية أيام حيدر العبادي، وتحديدا في 2017 ووقتها تم الإعلان عن توقيع 18 مذكرة شراكة بين السعودية والعراق في مجالات الطاقة والنفط وتم وقتها إنشاء مجلس التنسيق العراقي السعودي، وفعلا انعقد في الرياض هذا المجلس وحضر الانعقاد الملك سلمان بن عبدالعزيز ورئيس الوزراء العراقي.
لكن ما الذي نتج عن كل هذا النشاط السياسي؟
ظل العراق حبيس القفص الإيراني سياسيا واقتصاديا وفي باقي جميع المجالات.
تكرس الاستعمار الإيراني للعراق في 2005 عبر صياغة دستور عراقي يؤسس لحكم الطائفية والمحاصصة وعبر إجراء انتخابات والمجيء بقيادات سياسية من المطبخ الإيراني.
وتم تبادل السلطة من ذراع إيران إلى ذراع آخر، تحت وهم ممارسة الديمقراطية فاكتشفنا مع الوقت أننا كنا أمام تبادل أدوار في مسرحية واحدة.
انشغلنا بالاستعمار الإيراني في شقه السياسي، وابتعدنا عن استعمار من نوع آخر وهو الاستعمار الاقتصادي حين يتم رهن مقدرات بلد في حجم وعمق العراق إلى بلد آخر من الجوار وهو إيران.
إيران صاغت مجموعة صفقات تجعل العراق أسيرا لها، وهنا سأركز على ما يتعلق بالطاقة تحديدا، فالعراق يعتمد بشكل كلي على الغاز الإيراني والمشتقات النفطية، ولما بدأ المسؤولون يدققون في الأسعار اكتشفوا أنها تصدر للعراق بأسعار أكثر من الأسعار العالمية بكثير.
وكلما ضيقت أمريكا على إيران في إطار تطبيق سياسة الضغط الأعلى لجأت إيران لتوسيع ثقب استنزاف الأموال العراقية بحجة زيادة التصدير إلى العراق.
إيران تصدر شهريا شحنات غاز إيرانية بما يصل إلى 28 مليون متر مكعب، وصحيح أن أمريكا تحاول إغلاق هذا الباب الخلفي الذي فتحته إيران للتحايل والتهرب من العقوبات، لكن هناك معابر سرية وهناك كثير من المنافذ التي فتحتها إيران في حدود العراق.
من هنا نأتي إلى نقطة مهمة جدًا وهي الوقوف أمام إرادة التوقيع التي يملكها رئيس الوزراء العراقي وإرادة السماح بالتنفيذ التي تملكها إيران.
وهنا سأعود إلى تصريح قاسم الفهداوي، وزير الكهرباء العراقي في الفترة من 2014 إلى 2018، حيث صرح في لقاء تلفزيوني تابعه الجميع أن إيران عرقلت عرضًا سعوديًا سخيًا وكريمًا إلى العراق، بتوفير "كاز أويل" وجميع احتياجات العراق النفطية والغاز خلال أيام بسيطة جدًا بأسعار تصل إلى اللاشيء، بالإضافة إلى إرسال فريق من أرامكو للعمل على استخراج الغاز.
وبعد موافقة رئيس الوزراء تم إلغاء سفر الوفد إلى الرياض ليلة السفر وكان ذلك بضغط إيراني.
صحيح هناك من سيقول الزمن تغير والتأثير قل لكن الواقع مازال لم يفض إلى نقيضه، الواقع كما هو والذين يملكون أوراق التأثير هم أنفسهم المليشيات السياسية وسياسة المليشيات.
المتغير الذي يحمل كثيرًا من الأمل هذه المرة نبع من أسفل، من حراك الشعوب، حركة الوعي العراقية خرجت من الشعب، من الشباب، إرادة تنبني على فكرة التحرر من الاستعمار الإيراني، فكر العراق للعراقيين، فكرة استعادة العراق من خاطفيه.
وطبعا هذا التحرر له ترجمة حقيقية واحدة على أرض الواقع وهي إعادة العراق إلى عمقه العربي، عبر الانفتاح الكامل نحو جميع البلاد العربية وبالتبعية الانغلاق ناحية إيران.
هنا قد لا تكون تلك الزيارة المرتقبة إلى السعودية من قبل رئيس الوزراء هي مجرد زيارة روتينية رغم أنها تأتي كمحطة أولى لجولة تقود الكاظمي من السعودية إلى إيران إلى أمريكا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة