أسعار الفائدة في مصر.. قرار «خارج التوقعات» في اجتماع المركزي المقبل
المحللون منقسمون بين تأثير تراجع التضخم واندلاع حروب التجارة

تترقب الأسواق المالية المصرية أول اجتماع للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في 20 فبراير/شباط الجاري، لحسم مصير أسعار الفائدة.
وظلت أسعار الفائدة في مصر مستقرة طوال النصف الثاني من 2024. إلا أن الاجتماع يأتي وسط استمرار تراجع التضخم للشهر الثالث على التوالي، في مقابل تصاعد المخاطر الاقتصادية الناتجة عن تصعيد الحرب التجارية الأمريكية الجديدة، ما تسبب في انقسام التوقعات لأول مرة، بعد توافق نسبي على مدار آخر 6 اجتماعات.
التضخم عند أدنى مستوى في عامين
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، سجل معدل التضخم العام في يناير/كانون الثاني 2025 نحو 24% على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من عامين، مقارنة بـ35.1% في فبراير/شباط 2024.
وبحسب بيانات المركزي المصري، انخفض معدل التضخم الأساسي إلى 22.6% مقابل 23.2% في ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويعد هذا التراجع استمرارًا للاتجاه النزولي الذي بدأ منذ أواخر 2024، بدعم من عوامل عدة، أبرزها تأثير سنة الأساس، وهو قياس التضخم الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، إضافة إلى استقرار أسعار المحروقات والكهرباء بعد سلسلة من الزيادات خلال 2023 و2024.
اتجاه حذر لخفض الفائدة
يرى الدكتور محمد أنيس، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، أن انخفاض التضخم إلى ما دون مستوى 25% يمنح البنك المركزي فرصة مناسبة لبدء دورة تيسير نقدي، أي خفض أسعار الفائدة في اجتماع الشهر الجاري، مضيفًا أن التوقعات تشير إلى استمرار تباطؤ التضخم خلال النصف الأول من 2025، مع إمكانية وصوله إلى 19% بحلول يونيو/حزيران المقبل.
وأوضح لـ"العين الإخبارية"، أن استمرار تراجع الضغوط التضخمية الناتجة عن قرارات الإصلاح المالي يعزز من قدرة البنك المركزي على خفض الفائدة تدريجيًا، خاصة بعد أن ظلت مستقرة عند مستويات مرتفعة منذ يونيو/حزيران 2024.
وعلى مدار آخر 6 اجتماعات، أبقت لجنة السياسة النقدية على أسعار الفائدة عند 27.25% للإيداع، و28.25% للإقراض، بعد أن رفعتها بمقدار 800 نقطة أساس (8%) خلال أول اجتماعين من العام نفسه.
وأضاف أنيس، أن البنك المركزي سيتخذ قراره وفقًا لمعادلة معقدة، حيث يسعى إلى دعم النمو الاقتصادي عبر تخفيف قيود الائتمان، لكنه في الوقت نفسه لا يريد المخاطرة بعودة التضخم إلى الارتفاع مرة أخرى.
تهديد للاستقرار الاقتصادي
في الوقت الذي يواصل فيه التضخم في مصر الانخفاض، فإن الأوضاع الاقتصادية العالمية تشهد اضطرابات متزايدة بسبب تصعيد الحرب التجارية بقيادة الولايات المتحدة، ما قد يلقي بظلاله على الأسواق الناشئة، ومنها الاقتصاد المصري.
عز الدين حسانين، الخبير المصرفي، أكد لـ"العين الإخبارية" أن قرار خفض أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل يبدو مرجحًا، لكنه قد يكون بمقدار محدود لا يتجاوز 2%، تجنبًا لأي ضغوط تضخمية محتملة قد تنشأ نتيجة تصاعد الحرب التجارية.
وأوضح حسانين، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ مرحلة جديدة من الصراع التجاري مع الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، حيث فرض رسومًا جمركية إضافية على واردات من كندا والمكسيك والصين.
وفي بداية الشهر الجاري، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع المستوردة من كندا والمكسيك، و10% على الواردات الصينية، إلا أنه تم تعليق رسوم كندا والمكسي مؤقتًا لمدة شهر واحد فقط، لكن تطبيقها لا يزال خيارًا مطروحًا، حال عدم استجابة البلدين للمطالب الأمريكية.
وطالت تهديدات ترامب شركاءه الاستراتيجيين (الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية)، ما قوبل بتهديدات وتحذيرات مضادة من جميع الأطراف، مع تأكيدات بأن هذه الرسوم تسير في "الاتجاه الخاطئ"، على حد قول أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية.
الحكومة المصرية تحذر من التداعيات
وسط هذه التطورات، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن الحكومة تراقب عن كثب تطورات الأزمة التجارية العالمية، محذرًا من أن فرض رسوم جمركية جديدة على السلع المستوردة قد يؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، ما يضيف أعباء إضافية على الاقتصادات الناشئة، ومنها مصر.
وأشار مدبولي، إلى أن العديد من الخبراء الاقتصاديين أعربوا عن قلقهم من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع عالميًا، ما قد يفاقم موجة التضخم العالمية في وقت تحاول فيه الدول الحد منه.
توقعات المؤسسات الدولية
وتوقع بنك غولدمان ساكس، أن تنخفض أسعار الفائدة على الإيداع بنحو 14.25% على مدار العام، لتصل إلى 13% مقابل 27.75% حاليًا، لدعم النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار.
وفي السياق ذاته، رأت رامونا مبارك، رئيسة إدارة المخاطر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "فيتش سوليوشنز"، أن مصر ستتجه إلى خفض الفائدة بوتيرة حادة خلال 2025، متوقعة أن تصل التخفيضات إلى 9%.
توقعات أكثر حذرًا
في المقابل، تبنى بعض المحللين سيناريو أكثر تحفظًا، متوقعين أن يكون خفض الفائدة تدريجيًا وبمعدلات أقل مما تتوقعه المؤسسات المالية الكبرى، وأن يكون التخفيض في الفائدة محدودًا خلال الأشهر الأولى من العام، بواقع 0.5% إلى 1% فقط بحلول مارس/آذار المقبل أو بداية الربع الثاني، مع مراقبة تطورات التضخم وعوامل الاقتصاد الكلي قبل اتخاذ أي قرارات حاسمة.
وتغيرت توقعات البعض بشأن خفض الفائدة على مدار الأشهر الماضية، حيث كانت آية زهير، رئيسة قسم البحوث في زيلا كابيتال، قد توقعت في وقت سابق، أن يتم خفض الفائدة بمعدل يتراوح بين 9 و12% خلال 2025، لكنها عدلت توقعاتها إلى خفض يتراوح بين 6 و8%، مشيرة إلى أن هذه التخفيضات قد تتم بوتيرة أسرع خلال النصف الثاني من العام.
ورأت زهير، أن هناك عدة متغيرات اقتصادية ستؤثر على قرارات السياسة النقدية، أبرزها توقف الفيدرالي الأمريكي عن خفض الفائدة منذ سبتمبر/أيلول 2024، ما قد يحد من مرونة البنك المركزي المصري في اتخاذ قرارات سريعة بشأن الفائدة، بجانب استكمال بعض الإصلاحات الاقتصادية وتداعياتها، وجاذبية العائد على أدوات الدين الحكومي.
خفض مشروط
وفقًا لتوقعات مورغان ستانلي، فإن هناك إمكانية لخفض الفائدة بنحو 10% خلال العام المالي الحالي، لكنها مشروطة بتراجع معدلات التضخم إلى مستويات تتراوح بين 14 و15% بحلول يونيو/حزيران المقبل، مضيفًا أن استمرار تحسن المؤشرات الاقتصادية سيدفع البنك المركزي إلى تبني سياسة نقدية أكثر مرونة، لكن بحذر لتجنب أي صدمات تضخمية غير متوقعة.
ورغم التراجع الملحوظ في معدلات التضخم، حذر بنك بي إن بي باريبا الفرنسي، أن بعض العوامل قد تؤدي إلى تباطؤ هذا التراجع، مثل إجراءات ضبط المالية العامة، التي قد تشمل زيادات في ضريبة القيمة المضافة وخفضًا للدعم، ما قد يعيد بعض الضغوط التضخمية إلى السوق.
ورغم أنه رجح أن يسمح تسارع انخفاض التضخم خلال الربع الأول من 2025 ببدء دورة تيسير نقدي، لكنه أشار إلى أن السياسة النقدية تواجه معضلة معقدة، إذ إن عدم خفض الفائدة قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في سعر الإقراض الحقيقي، ما قد يعوق تعافي الاستثمار، في حين أن التسرع في الخفض قد يؤثر على استقرار الأسعار.
شهادات الادخار
في إشارة إلى توجه البنوك المصرية نحو التكيف مع توقعات خفض الفائدة، خفضت بعض البنوك الخاصة الكبرى في مصر بالفعل أسعار الفائدة على شهادات الادخار ذات العائد المرتفع.
وجاء البنك التجاري الدولي (CIB) في مقدمة هذه البنوك، حيث خفض الفائدة 3% على الشهادات الثلاثية، ليصل أعلى عائد عليها إلى 17% بدلاً من 20%، مع تحديد حد أدنى للشراء عند مليون جنيه.
كما خفض بنك QNB أسعار الفائدة على شهادات الادخار بين 0.5% و1%، ليتراوح العائد بين 18.5% و20% بدلاً من 19.5% و20%، بينما خفض البنك المصري الخليجي العائد على شهاداته الثابتة ذات أجل 3 سنوات بنحو 1.5%، لتصل إلى 20% بدلاً من 21.5%.
aXA6IDE4LjE5MS42My4zNSA= جزيرة ام اند امز