حرية التنقل والتملك والإقامة والعمل.. أي خير سيراه شعب الوادي لو فُعِّلت هذه الاتفاقية؟
فرح الجميع بمجرد الإعلان عن اتفاقية الحريات الأربعة بين مصر والسودان، وقد كان ذلك بمثابة قفزة نوعية في العلاقات بين البلدين، ولكن تلك الفرحة لم تصمد إلا قليلاً من الوقت، والسبب.. السياسة.
لماذا لم تجد هذه الاتفاقية من الحماس الدبلوماسي بين البلدين ما يؤهلها لأن ترى النور؟ ألا يعني عدم تفعيل الاتفاقية اعترافاً ضمنياً بأن هناك شوائب تؤثر على صفو الأجواء بين البلدين رسمياً؟ لماذا إذا لا تصفى هذه الشوائب ليستمتع شعب وادي النيل بخيرات هذه الاتفاقية التي ما لبثت أن باتت في الأدراج بعد أن طُبّقت جزئياً لمدة قصيرة؟ بدلاً من أن يبحث المواطن المصري أو السوداني عن البدائل بعيداً عن الوطن، ما يعني هجرة للعقول والموارد المالية.. ألا يستحق أن يجد بدائل اقتصادية ليست بعيدة عنه؟
ما المانع في إنشاء مدينة مشتركة في هيئة منطقة تجارية حرة بحساب بنكي موحد أيضاً، تُوزّع أرباحه مناصفة على خزينتي مصر والسودان، أليس هذا مجدياً للبلدين بدلاً من إضاعة كثير من الوقت والجهد الدبلوماسي والسياسي، وما يتبع ذلك من توتر على المستويات غير الرسمية؟
حرية التنقل والتملك والإقامة والعمل.. أي خير سيراه شعب الوادي لو فُعّلت هذه الاتفاقية؟ إن تأملنا في الجانب الاقتصادي فقط ستتعزز كل الجوانب الأخرى، وستزداد أواصر الألفة والمودة والترابط الاجتماعي والسياسي والتجاري والسياحي وغيرها.
بصراحة شديدة.. إنه محزن أن تقف مؤسسات البلدين عاجزة عن فعل أي شيء بشأن هذه الاتفاقية؛ لأن ملفاً أو اثنين لم تتم تسويتهما بعد، لاسيما مايتعلق منها بالحدود .. علما بأن اتفاقية كهذه من شأنها أن توجد ألف حل لأي ملف عالق بين البلدين.
ولكم في نيوم عبرة يا أولي الألباب، هذه المدينة التي اُستحدِثت من العدم في منطقة حدودية بين ثلاثة بُلدان، وتابعتم كيف تحدث عنها ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان، واتضح من حديثه أن مصر ستشارك فيها بجزء من الأرض المصرية لأنها تدرك أن الفائدة ستعود عليها أضعافاً مضاعفة، والأردن كذلك، علماً بأن قوانين وتشريعات نيوم ستفرض نوعاً جديداً من أنواع السيادة المتكاملة والمستقلة على الأرض التي ستنشأ عليها هذه المدينة العصرية، فلِمَ لا يتم التفكير في سيناريو مشابه لسيناريو نيوم؟
ما المانع في إنشاء مدينة مشتركة في هيئة منطقة تجارية حرة بحساب بنكي موحد أيضاً، تُوزّع أرباحه مناصفة على خزينتي مصر والسودان؟، أليس هذا مجدياً للبلدين بدلاً من إضاعة كثير من الوقت والجهد الدبلوماسي والسياسي، وما يتبع ذلك من توتر على المستويات غير الرسمية؟
من المؤكد أن هذا السيناريو ليس بجديد على المؤسسات المعنية في البلدين، لكن المؤسسات تحتاج إلى إرادة سياسية وبيئة خلاقة مشجعة لتهيئة ظروف مناسبة، تؤدي إلى إعادة النظر في هذا السيناريو، الذي إن تحقق سينعكس بالفائدة على البلدين، وسيتصفر عداد المشكلات بينهما، ويكون الطريق سالكاً أمام عهد جديد من الرخاء الاقتصادي، ليس فقط لمصر والسودان بل لدول جوارهما أيضاً، وأوجه ذلك الرخاء متعددة والحمد لله، منها الاستثمار في مجالات الزراعة والمواشي والتعدين والبترول والسياحة البحرية والصحراوية والاستيراد والتصدير.. وغيرها كثير.
كل هذه الخيرات يمكن أن تحقق اكتفاءً ذاتياً للبلدين خلال فترة وجيزة، استناداً إلى الخبرات المصرية والتكنولوجيا المتطورة التي تملكها في هذه المجالات، والثروات الطبيعية التي تتوفر في السودان، الأمر يستحق التفكير دونما تأخير.
وبما أن هذه الفترة تشهد نشاطاً حقيقياً في ملفات استثمارية حقيقية، مسرحها البحر الأحمر، فلِمَ لا يُستفاد من هذه اللغة الجميلة التي تُعرف بلغة المصالح، والمصالح بين ذوي القربى أعظم فائدة وأكثر نفعاً، والمؤكد أنها ستكون إحدى مناطق الجذب السياحي والتجاري، إضافة إلى جاهزيتها لتكون أحد المنافذ الشرقية للقارة السمراء فيما يتصل باستيراد احتياجاتها وتصدير خيراتها.
إن تحقق هذا السيناريو الجميل أعتقد أن الطريق سيكون مغلقاً أمام كل من يفكر في شراء حصة له في نادي البحر الأحمر من خارج أعضاء هذا النادي العريق، ليبث سمومه وشروره كلما شاء، وكما يقول المثل المستخدم على نطاق واسع عربياً سيكون "زيتنا في دقيقنا".. ولا ايه؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة