تتجه الأوضاع في المنطقة نحو مزيد من التأزّم والتعقيد، فلا تلوح في المدى القريب أي مؤشرات لحلحلة الأزمات المختلفة.
تتجه الأوضاع في المنطقة نحو مزيد من التأزّم والتعقيد، فلا تلوح في المدى القريب أي مؤشرات لحلحلة الأزمات المختلفة، سواء في سوريا أم اليمن، أما الأوضاع في العراق فإنها لا تختلف كثيراً، سواء من حيث عودة الاحتقان السياسي بين القوى والتيارات المختلفة، أو تصاعد نفوذ المليشيات المسلحة، وهذا لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن التعارض في المصالح بين القوى الإقليمية والدولية في الدول الثلاث، والتي تجعل من الصعب التوصل إلى حل سياسي ينهي هذه الأزمات.
فالأزمة السورية، وبعد مرور ما يزيد عن أكثر من سبع سنوات من اندلاعها، تظل الأكثر تعقيداً وتشابكاً، فلم تفلح جهود الحل السياسي التي قامت بها الأمم المتحدة (ثماني جولات في جنيف)، ولا مؤتمرات أستانة التي ترعاها كل من روسيا وتركيا وإيران في إحداث اختراق حقيقي لحلها، ولم تصمد أي من الهُدَن التي تم التوصل إليها في وقف إطلاق النار، لتمهيد الأرضية للتوصل إلى حل سياسي، وكان آخرها الهدنة في الغوطة الشرقية، والتي انهارت بعد ساعات من موافقة مجلس الأمن عليها، فيما عادت المواجهات المسلحة على الأرض بين أطراف الأزمة.
هناك تداخل وتشابك واضح في الأوضاع التي تشهدها الدول الثلاث، سوريا واليمن والعراق، فإيران هي العامل المشترك في تفاعلات هذه الأوضاع
التعقيد الذي يسم الأزمة السورية، يرجع إلى تعارض المصالح بين القوى الإقليمية والدولية، فروسيا ومعها إيران تدافعان باستماتة عن نظام بشار الأسد، وترفضان أي مطالب لتنحيه عن السلطة، وتتبنيان وجهة النظام بأن الصراع في سوريا هو مع تنظيمات إرهابية، كما تعتبران أي وجود أمريكي على الأراضي السورية غير شرعي، ويؤكدان في الوقت ذاته أن وجودهما على الأراضي السورية يحظى بالشرعية لأنه بناء على طلب من الحكومة السورية. أما تركيا فإن تدخلها في الأزمة السورية يرتبط بالأساس بمنع تنامي قوة الأكراد ، ولأجل هذا أطلقت عليه "غصن الزيتون" التي لا تزال مستمرة للحيلولة دون انطلاق التهديد الكردي إلى أراضيها. فيما تدعم الولايات المتحدة جماعات المعارضة السورية، وقامت مؤخراً بتعزيز وجودها على الأرض كوسيلة للضغط على كل من موسكو وطهران للقبول بالحل السياسي للأزمة.
الأزمة في اليمن، منذ اندلاع عاصفة الحزم في مارس 2015 وعملية إعادة الأمل في أبريل من العام نفسه، لم تشهد انفراجة ملموسة فيما يتعلق بالمسار السياسي، بسبب تعنت الانقلابيين الحوثيين وارتهانهم بالمشروع الإيراني، فيما تتواصل انتصارات الجيش اليمني بدعم وإسناد من دول التحالف العربي، وهي انتصارات لو استمرت بنفس الزخم ستمثل ضغطاً على الحوثيين وتدفعهم إلى تقديم تنازلات والقبول بالحل السياسي، كما تتواصل الحملة ضد تنظيم القاعدة خاصة في محافظة أبين. الأزمة اليمنية تجسّد هي الأخرى تضارب المصالح الإقليمية والدولية، فإيران التي تدعم الانقلابيين الحوثيين، وتمدهم بالصواريخ الباليستية التي تستهدف الأراضي السعودية، تستقوي بالدعم الروسي الذي يتصدى لأي محاولة لإدانتها في مجلس الأمن، أما الولايات المتحدة فإنها تدعم موقف دول التحالف العربي، لأن هذا يحقق مصالحها هناك سواء في القضاء على القاعدة أم تأمين الملاحة في الممرات المائية، وخاصة مضيق باب المندب، كما أنها تدرك في الوقت ذاته مسؤولية إيران عن تعقيد الأزمة في اليمن، وتقود الجهود الدولية لإصدار قرار من مجلس الأمن يدين سلوكها في اليمن، ويفرض عليها عقوبات مشددة إن لم تتوقف عن إمداد الحوثيين بالأسلحة.
الأوضاع في العراق، ورغم إعلان الحكومة قبل أسابيع هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، وانهيار ما يسمى بدولة الخلافة المزعومة هناك، فإن تحديات مرحلة ما بعد تنظيم"داعش"، سواء فيما يتعلق بعملية إعادة البناء والإعمار أم تحقيق المصالحة السياسية تطل برأسها لتسيطر على المشهد، في وقت يتم فيه الاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية في شهر مايو المقبل، بينما يتصاعد الجدل حول دور المليشيات المسلحة بعد انتهاء دورها في الحرب ضد "داعش"، وخاصة مليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران، حتى أن العديد من القوى الدولية (فرنسا- الولايات المتحدة) تطالب الآن بتفكيك هذه المليشيات، وتحييد دورها وإبعادها عن المشاركة في الحياة السياسية. وإذا كانت إيران تدافع عن بقاء هذه المليشيات باعتبارها تدافع عن نفوذها ومصالحها في العراق، فإن الولايات المتحدة تدرك خطورة هذه المليشيات على مصالحها هناك، وتعمل على بقاء بعض قواتها في العراق خلال الفترة المقبلة حتى لا تهدد هذه المليشيات مصالحها هناك، أما تركيا فلها مصالحها في العراق، وتنسق مع الحكومة العراقية ضد المسلحين الأكراد التابعين لـ"حزب العمال الكردستاني" المنتشرين في إقليم كردستان.
الخلاصة فيما سبق، هناك تداخل وتشابك واضح في الأوضاع التي تشهدها الدول الثلاث، سوريا واليمن والعراق، فإيران هي العامل المشترك في تفاعلات هذه الأوضاع، فهي تسعى إلى تعزيز نفوذها في الدول الثلاث عبر مليشياتها المسلحة، وتحاول أن يكون لها دور في أي تسوية سياسية خاصة في كل من سوريا واليمن، تضمن مصالحها وحلفائها في الداخل، بينما تستمر حالة الانقسام في المواقف الدولية حول كيفية التعاطي مع الأزمتين السورية واليمنية، والنتيجة هي استمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار في المشهد الإقليمي في المدى المنظور.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة