المشهد الدراماتيكي يرجعنا إلى ما قبل غزو صنعاء وسقوط الدولة بيد مليشيات الحوثي، عندما كان سعر أسطوانة الغاز لا يتعدى (1500) ريال يمني.
تضرب المناطق التي تقع تحت سيطرة مليشيات الحوثي الإيرانية في العاصمة صنعاء وضواحيها وبعض المحافظات القابعة تحت سطوتهم، سلسلة أزمات خانقة تتصل بالحياة اليومية للمواطنين، وعلى رأسها أزمة انعدام الغاز المنزلي وأزمة المشتقات البترولية.
ورغم المشهد المبكي لتردي أحوال المواطنين والظروف الصعبة والمزرية التي تصاحب جهادهم للحصول على أبسط أولويات الحياة، بل نضالهم للوصول لما يسد رمق أسرهم وأطفالهم بالقدر اليسير لكفاف الشرفاء والعفيفين، لدرجة اضطرارهم إلى تدبير احتياجهم من الغاز عبر وسائل العصور الوسطى من الحطب وفضلات المواشي، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة أن هدف هذه الجماعة هو إذلال اليمنيين في شمال الشمال، ذُل السنوات والعقود، ذُل الثورات المجيدة "سبتمبر" التي قضت على هذه الجماعات الكهنوتية، ومَن ينسل من عرقهم أو نسلهم.
هذا المشهد الدراماتيكي يرجعنا إلى ما قبل غزو صنعاء وسقوط الدولة بيد مليشيات الحوثي في سبتمبر 2014، عندما كان سعر أسطوانة الغاز لا يتعدى (1500) ريال يمني، ما يعادل 8 دولارات، بعد الإصلاحات السعرية التي فرضتها حكومة باسندوة حينها والزيادات في الأسعار التي ساق فيها الحوثيون عوام الناس من الغافلين والمغيبين، إضافة إلى أنصارهم الموجهين في مظاهرات كانت تدعو إلى إسقاط الحكومة.
نحن أمام مشروع محمل بأزمات لا تنتهي، دمار وقمع وإمعان في ضرب الأمن القومي للمنطقة، مشروع معد للتدمير بأثر طويل الأمد، إن جماعة الحوثي ليست فقط غير جادة بالسلام وإنما لديها من الأهداف والمقاصد ما تسعى إلى تحقيقه لإطالة أمد الحرب وتمزيق النسيج الاجتماعي.. فهل لنا إدراك ذلك؟!
سقطت الحكومة وسقطت الدولة وسقط اليمنيون حينها وما زالوا، ولم يبقَ سوى الحوثي وقيادات جماعته وبطانتها في حال ثراء فاحش وسطوة طاغية، ووصل سعر الأسطوانة اليوم (7000) ريال يمني، متجاوزا حدود قدرة المواطن البسيط، الذي فقد مصدر دخله وبات بالتعبير الشعبي "على باب الله".
لم تكتفِ هذه الجماعة بهذا القدر من الإذلال والإمعان في قهر المواطنين في مناطق سيطرتهم، بل تجاوز هذا بقمع كل مَن يفكر بالتعبير السلمي لإبداء رأيه حول الأزمة الحالية أو البوح بانتقاد من يتاجر بقوتهم وقوت أولادهم، وكل من فكر بالتظاهر أو التعبير عن سخطه اعتقل وتم إخفاؤه وانتهى أمره، وبهذا القمع والإرهاب المفرط بات الجميع حتى ممن يناصرونهم في حال رضا مذل وساخط بالأمر الواقع، وفي حال رضوخ معيب بحالهم دون أي مواقف جماعية ضد هذه الانتهاكات أو الإجراءات، التي تثبت لنا يوما بعد يوم هدف جماعة الحوثي المعد له والمخطط أيضا بخلق حالة من النظام الثيوقراطي القمعي الاجتماعي المفرط في التعامل مع أي حالات سخط أو رغبة بالتعبير.
بل إن بعض الدعوات التي يقودها إعلامهم تقول إن من يطالب بأقل حقوق لهم يعد من الخيانة الوطنية، كونهم، حسب زعمهم، يجاهدون في وجه الطغيان ومحاربة أمريكا وإسرائيل في تراجيديا سوداء مخيفة، والأدهى والأمر حالة الخنوع من الناس والمواطنين الذين علا صوتهم ولم يخفت سخطاً ووقاحة ضد السياسات الحكومية السابقة التي رغم أخطائها كانت تراعي الكثير من مصالح المواطنين وظروفهم وتقدر الاستثناءات الصعبة والحرجة.
وفي لمحة مهمة، طالعتنا كثير من الأخبار أن العشرات من ناقلات الغاز تحركت من محافظة مأرب ودخلت العاصمة صنعاء محملة بالغاز المنزلي، بالسعر الرائج الذي لا يتعدى سعر التكلفة (1025) ريالا يمنيا، بما يعادل 5 دولارات، فأين تذهب؟ ولمصلحة مَن تباع؟ وأين تصل إيراداتها؟ هذه علامات استفهام كبيرة، لا إجابات لها سوى أن هذه الجماعة الإرهابية الإيرانية تدير حربها ضد اليمن واليمنيين والإقليم من جيوب وقوت البسطاء، إضافة إلى أن إدارة أمراء الحرب ثروات الحروب أسهل الطرق للثراء المفرط والاتجار بالبشر ودماء العوام.
الشاهد في الحديث.. نحن أمام مشروع محمل بأزمات لا تنتهي، دمار وقمع وإمعان في ضرب الأمن القومي للمنطقة، مشروع معد للتدمير بأثر طويل الأمد، إن جماعة الحوثي ليست فقط غير جادة بالسلام وإنما لديها من الأهداف والمقاصد ما تسعى إلى تحقيقه لإطالة أمد الحرب وتمزيق النسيج الاجتماعي، فهل لنا إدراك ذلك؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة