على اليمنيين أن يدركوا أن حل أزمتهم وإيقاف معاناتهم لن يكون إلا بأيديهم.
يعلق اليمنيون آمالهم الشاحبة على أن يعم السلام أرجاء بلادهم بعد أن تضع سنوات الحرب والصراع أوزارها، وذلك إدراكاً منهم أن حالة الإجهاد الإنساني والذاتي التي تسيطر عليهم جراء استمرار الحرب فاقت كل قدراتهم على التحمل أو الاستيعاب.. وما عاد لديهم من الجهد أو التكلفة للاستمرار في هذا الاستنزاف المتتابع.
فكلما تطلعنا الأخبار بجهود سياسية أو زيارات إقليمية لـذاك المبعوث أو هذا الوزير، ظن اليمنيون أن فرجهم بات قريباً بهذه التحركات أو الاهتمامات بالأزمة اليمنية التي يخشى أبناء اليمن أن تصبح من النسيان ويدخلون في حرب لا سلام فيها ولا استسلام، تأكل ما هو أبعد من الأخضر واليابس، تأكل المستقبل والآمال.
تجلّت هذه الآمال خلال الأيام الماضية عقب تناقل أخبار رغبة المبعوث الأممي الخاص باليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في عدم تجديد عقده الذي ينتهي فبراير المقبل بالعمل كمبعوث في اليمن، وتعيين البريطاني "مارتن غريفثت" مبعوثاً أممياً جديداً إلى اليمن خلفاً له، رغم عدم وجود تأكيدات رسمية بذلك، وكأن تغيير مبعوث بآخر يمثل حالة من التفاؤل التي تجدد آمال اليمنيين بإمكانية أن يكون الجديد فال خير عن السابق، رغم أن ذلك لم يتحقق منذ تغيير جمال بن عمر المبعوث الأول بخلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
ويبدو أن حالة الإحباط من أن يكون الحل داخلياً من صنع اليمنيين أنفسهم هو الذي جعل اعتقاداتهم بأن التحرك الإقليمي والدولي يمكن أن يفضي بحلول تفرض على أطراف الصراع، وتكون أكثر قدرة على الضغط على مليشيا الحوثي لينصاع للعودة لمشاورات السلام.
بالرغم من سوداوية المشهد الذي تم وصفه إلا أن من رحم المعاناة تولد الحقيقة وتشرق الشمس فما على اليمنيين إلا أن يدركوا أن غداً مستقبلاً سيحقق آمالهم التي سيزرعونها اليوم، فأحسنوا زرعكم بالخير والحب والسلام.
كما أن وزير الخارجية البريطاني بدأ جولة في العواصم الخليجية، لبحث أفق الدفع بمشاورات السلام من جديد في اليمن، رغم أن بعض الأنباء تحدثت عن سعيه لإقناع الأطراف الإقليمية بالقبول بالمرشح البريطاني، كمبعوث أممي خاص باليمن، إلا أن المشهد في خلاصته لا يبدو أن خارطة طريق يمكن رسمها خارج دائرة المرجعيات الأساسية الدولية للسلام في اليمن، بل إن فكرة الضغط على مليشيا الحوثي للبدء بإجراءات بناء ثقة تبدو في حكم الجدل الفارغ عن مضمونه.
وبالعودة إلى اليمنيين الذين يبحثون عن بارقة أمل للاندفاع نحو ملامح التفاؤل، عليهم أن يدركوا أن حل أزمتهم وإيقاف معاناتهم لن يكون إلا بأيديهم عندما يقتنعون أن وطناً يشعرون فيه بالانتماء والولاء عليهم أن يحموه ويتجاوزوا خلافاتهم من أجله ومن أجل مستقبل الأجيال المقبل، وبدون ذلك فإن وهماً وسراباً سيظل هاجس الملايين من اليمنيين.
إن تأثير الحرب المتنامي على المشهد الاجتماعي، جعل الحديث عن خارطة سلام بمسار وحيد غير مجدٍ، حيث بات تعدد الولاءات وتمزق النسيج الاجتماعي عاملاً مؤثراً سعت جماعة الحوثي بوصفها جماعة متطرفة تقوم على العنصرية والسلالية إلى خلقه وترسيخه خلال تفكيك البنية الداخلية للدولة اليمنية وتفتيتها إلى مذاهب وملل وجهات وفئات، وإضعاف وحدة النسيج الاجتماعي، وتحويل اليمن إلى بؤرة للصراعات والحروب الأهلية، بتغذية الصراعات والفتن الداخلية، وإثارة الحساسية الدينية والنعرات المذهبية والطائفية والشطرية، وقتل الأبرياء وتشريد الأسر والأطفال والنساء والشيوخ، واستهداف المدنيين العزل في القرى.
إن الآثار المترتبة على ذلك ستسهم في بروز فتنة تضر السلم الاجتماعي، وستطيل من أمد حالة عدم الاستقرار والأمن لدى أفراد المجتمع، وتبرز هذه الدلالات واقع اليمن كنموذج للدولة المتصدعة اجتماعياً وسياسياً.
والخلاصة، إن هذه المعطيات تجعل من فكرة الحديث عن السلام فكرة ساذجة، ليس لسمو فكرة السلام، وإنما لهشاشة البناء النظري الذي ينطلق منه السياسيون، إن أي مشروع أو خارطة طريق للسلام في اليمن لا بد أن يملك أطرافها أدوات حقيقية ووسائل ضغط وقدرة على تنويع الأفكار والمقترحات، وفعالية أكثر باتجاه بلورة المقاربات التفاوضية والشروط السياسية وإدارة أوراق المشاورات السياسية بأفق مختلف وتوجهات جادة وجديدة، نظرا لتعقد ملف الأزمة اليمنية متعددة الأطراف ومعقدة المستويات ومتداخلة التأثيرات.
والشاهد أنه بالرغم من سوداوية المشهد الذي تم وصفه، إلا أنه من رحم المعاناة تولد الحقيقة وتشرق الشمس فما على اليمنيين إلا أن يدركوا أن غدا مستقبلا سيحقق آمالهم التي سيزرعونها اليوم، فأحسنوا زرعكم بالخير والحب والسلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة