رأس "توت عنخ آمون".. القصة الكاملة لبيع أثر مصري في لندن
على الرغم من مطالبة القاهرة بتسليم الأوراق التي تثبت مستندات الملكية، فإن المزاد لم يبرز أي أوراق توضح أصل الأثر وتوقيت خروجه من مصر
على الرغم من المطالبات المصرية الرسمية بوقف بيع القطع الأثرية في مزاد دار "كريستيز" وإعادتها إلى البلاد، إلا أن "كريستيز" للمزادات العالمية في لندن أقدمت على بيع رأس تمثال فرعوني منسوب للملك توت عنخ آمون بمبلغ قدره 4.7 مليون جنيه إسترليني.
وتعود القصة إلى 4 يونيو الماضي، حين أعلنت دار كريستز للمزادات في لندن عرضها لرأس منحوتة للملك الفرعوني "توت عنخ آمون" للبيع في مزاد علني يومي 3 و4 يوليو الجاري، بمبلغ قُدّر وقتها بنحو 4 ملايين جنيه إسترليني (5 ملايين دولار)، ما دفع وزارتي الآثار والخارجية المصريتين لإصدار بيان مشترك للمطالبة بضرورة وقف عملية البيع والتحفظ على القطعة وإعادتها إلى مصر.
القطعة تنتمي لمن؟
عن أهمية القطعة الأثرية، يقول الدكتور بسام الشماع، المؤرخ والباحث في علم المصريات وعضو الجمعية التاريخية المصرية، إن القطعة الأثرية المباعة في مزاد "كريستيز" تنتمي إلى الإله آمون منحوت على شكل توت عنخ آمون، وبه قطعة مكسورة هما الريشتين لـ"آمون رع" حينما كان يتشكل على شكل إنسان، والتي كان يحرك بهما الرياح وفقا للأسطورة المصرية".
وأضاف لـ“العين الإخبارية": "حجر الكوارتزيت المصنوع منه رأس التمثال حجر صلب وقوي يحمل دلالات جمالية مهمة، واستخدمته مصر القديمة في صناعة التماثيل الضخمة، بجانب استخدامها للحجر الجيري والآخر الجرانيتي، ما يؤكد على أهمية القطعة الأثرية التي بيُعت ضمن أكثر من 30 قطعة أثرية مصرية أخرى بهذا المزاد".
وكانت صحيفة " فاينانشال تايمز" البريطانية، أشارت إلى أن ارتفاع رأس التمثال نحو 28.5 سم، وهو يجسد الإله آمون إله الشمس عند المصريين القدماء، وهي المرة الأولى التي يباع فيها قطعة أثرية من المجموعة الخاصة لتوت عنخ آمون في السوق العالمية للمزادات منذ 1985.
دلالات أحقية مصر
يرى الباحث بسام الشماع، أن تصرف إدارة "كريستيز" يعد تجاوزا لكل المعايير الدولية، وبداية لاتخاذ خطوات حاسمة لتعديل اتفاقية منظمة اليونسكو، خصوصاً أن الآثار المباعة في المزادات يصعب استردادها أو الوصول إلى المشتري، مشيرا إلى أن دار "كريستيز" رفضت الإعلان عن اسم المشتري لرأس الإله آمون.
وعلى الرغم من مطالبة القاهرة للندن بتسليم الأوراق التي تثبت مستندات الملكية، فإن المزاد لم يبرز أي أوراق توضح أصل الأثر وتوقيت خروجه من مصر والمشتري والبائع وقتها، وهو الأمر الذي وصفه الشماع بالدليل الواضح على أحقية مصر في القطعة الأثرية.
ويضيف الشماع: "اقتصرت المعلومات على خروج رأس التمثال في ستينيات القرن الماضي فقط، دون توضيح أصل الأثر المعلومة التي تزيد من ثقة المشتري في المزاد، ما يؤكد أن هناك تدليسا واضحا في طريقة تهريب الأثر وفقا لاتفاقيات غير منصفة للتراث، إضافة لفشل المزاد في مواجهة الحكومة المصرية".
ويثمن الشماع دور الجهات المصرية الرسمية في متابعة القضية، طارحا تساؤلا بشأن دور المسؤولين في وزارتي الثقافة والآثار في بريطانيا، والتزامهم الصمت نحو تثمين أثر في حجم أهمية الأثر المصري.
وكانت وزارة الآثار المصرية، خاطبت الشرطة الدولية "الإنتربول" لتعقب القطع الأثرية المباعة في مزاد "كريستيز" دون إظهار سندات ملكيتها، معتبرة أن التصرف غير مهني نظرا لتخلي السلطات البريطانية عن دورها في تقديم دعم لحل الأمر.
وأكدت اللجنة القومية للآثار المستردة في مصر، على تطلعها للتعاون من جانب السلطات البريطانية، منوهة إلى مخاطبة النيابة العامة المصرية الحكومة في لندن لمنع خروج أي قطعة من القطع المصرية المباعة خارج حدود بريطانيا.
خطوات مطلوبة
طالب وزير الآثار المصري خالد العناني، بضرورة تعديل القوانين والاتفاقيات المتعلقة بإعادة الآثار المصرية التي خرجت منذ عشرات السنين، مؤكدا على أن طريقة خروج الأثر يجب إلا تصبح عائقا أمام إجراءات إعادتها مرة أخرى إلى مصر، خصوصاً أن العالم جميعا يعرف حقيقة انتماء هذه القطع إلى مصر.
وعن الخطوات الرسمية المطلوبة المرحلة المقبلة، ينوه الباحث في علم المصريات باسم الشماع، بضرورة تبني موقف حاسم تجاه القضية، ودعوة الإعلام الأجنبي لمؤتمر صحفي دولي لتوضيح ملابسات القضية، وأحقية مصر في استرداد القطع المباعة بمزاد لندن، لافتاً إلى أن عدم استماع بريطانيا لشكوى مصر يُلزم المسؤولين المصريين بوقف جميع أعمال البعثات البريطانية معها، والتعاملات الثقافية مع المتاحف هناك بجانب إبلاغ المحاكم الدولية بالوضع والقرارات المترتبة عليه.
ويشدد الشماع على حق مصر في تعديل اتفاقيات اليونسكو، ما يسمح لها باسترداد جميع القطع الأثرية المهربة أيا كانت الطريقة، مؤكدا على أن ترك الآثار المصرية في معارض ومتاحف مفتوحة بالخارج يجعلها عرضه للنهب أو التلف، مضيفاً: "أطلقنا حملة شعبية لمنع بيع الآثار المصرية، كخطوة للضغط الشعبي على الحكومات لاتخاذ إجراءات حاسمة تجاه هذه التصرفات".
وأبرمت اليونسكو في 1970، اتفاقية لحظر استيراد وتصدير الملكيات الثقافية بطرق غير مشروعة، وتنص على حماية كل دولة تراثها من السرقة سواء عبر أعمال حفر أو تهريب بطرق غير مشروعة، وتأكد كل متاحف الدول من امتلاكهم المقتنيات التراثية وفقا للمبادئ الأخلاقية في كل مكان.
وكانت مصر في مقدمة الدول التي سنت قوانين لحماية الآثار بداية من عام 1835، نظرا لتقاسم البعثات الأجنبية نصف أعمال الحفر المكتشفة مع الحكومة المصرية، وبعد عام 1949 عادت عملية نهب الاكتشافات الأثرية المصرية إلى أن جاء قانون 1983 الذي منع تداول الآثار وجرم البيع والشراء في المقتنيات الثقافية والتراثية.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDcuMTEg جزيرة ام اند امز