من قدس الفراعنة إلى تجارة مزيفة: حقيقة اللوتس الأزرق المصري

تُعد زهرة اللوتس الأزرق (أو البشنين الأزرق) واحدة من أروع الرموز في الحضارة المصرية القديمة، حيث ارتبطت بأسرار طقوس دينية وغامضة، وأصبحت رمزًا مقدسًا في العديد من النقوش الأثرية.
ورغم ذلك، يكشف بحث جديد من جامعة كاليفورنيا أن ما يُباع الآن على الإنترنت تحت هذا الاسم ليس إلا خدعة تجارية بعيدة عن الحقيقة التاريخية.
الحقيقة وراء اللوتس الأزرق
لطالما كانت زهرة اللوتس الأزرق في قلب العديد من الأساطير المصرية، حيث تم العثور على بتلاتها في المقابر والمعابد الفرعونية، وكان لها دلالة رمزية قوية، خاصة تلك التي وُجدت على مومياء الملك توت عنخ آمون، والتي تعتبر شاهدًا على الطقوس المقدسة التي مارسها الفراعنة. ولأزمنة طويلة، كان يُعتقد أن هذه الزهرة كانت جزءًا من مشروبات طقسية تؤدي إلى الهلوسة، خصوصًا عندما تُنقع في النبيذ، وهو ما كان يُستخدم في احتفالات عبادة الإلهة حتحور.
ولإجراء دراسة معمقة حول حقيقة الزهرة، قام ليام مكإيفوي، طالب الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا، بتكريس سنوات من البحث لاكتشاف حقيقة اللوتس الأزرق الرائج حاليًا على الإنترنت. بدأت رحلة مكإيفوي عندما شاهد وثائقيًا على "يوتيوب" يعرض تجربة شرب نبيذ منقوع باللوتس من قبل متطوعين، حيث تم الادعاء بأن له تأثيرات مهلوسة. تساءل مكإيفوي عما إذا كانت الزهرة المستخدمة في هذه التجربة هي نفسها التي عرفها الفراعنة في ماضيهم العريق.
مغامرة بحثية تكشف خبايا اللوتس الأزرق المصري
وفي تعاون مع مركز بيركلي لعلوم المؤثرات العقلية، أجرى مكإيفوي تحاليل علمية دقيقة لعينات من اللوتس الأزرق الحقيقي المزروع في الحدائق النباتية، مقارنةً بالعينات التي تباع على الإنترنت. وكانت النتائج مفاجئة: المنتجات التي تُسوق تحت اسم "اللوتس الأزرق المصري" ما هي إلا زنابق مائية عادية، تباع بأسعار باهظة قد تصل إلى 154 دولارًا للزجاجة الصغيرة، مع وعود غير واقعية بتحسين النوم، وتعزيز الرغبة الجنسية، وحتى إحداث تجارب روحية.
ومن خلال الفحوصات الكيميائية في مختبرات جامعة كاليفورنيا، اكتشف الباحثون أن هذه العينات التجارية تفتقر تمامًا إلى المادة الفعالة "النوسيفيرين"، وهي المادة التي كانت تمنح الزهرة الأصلية خصائصها المميزة. والأكثر إثارة للدهشة أن اللوتس الأزرق الحقيقي (Nymphaea caerulea) أصبح نادرًا جدًا، بل مهددًا بالانقراض نتيجة للتغيرات البيئية التي حدثت حول نهر النيل.
لكن المكافأة الأهم كانت تتعلق بأسلوب الاستخدام القديم لهذه الزهرة. إذ كان يُعتقد لفترة طويلة أن الفراعنة كانوا ينقعون الزهور في النبيذ، إلا أن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن المصريين القدماء كانوا قد طوّروا طريقة أكثر تعقيدًا، حيث كانوا يستخرجون زيتًا عطريًا من الزهرة أولاً قبل مزجه مع المشروبات. وهذه الفرضية تحتاج إلى تأكيد إضافي عبر تحليل كيميائي لأواني فرعونية قديمة يعود عمرها إلى نحو 3,000 سنة.
وبينما يواصل مكإيفوي أبحاثه، فإنه يخطط للاستفادة من خبراته في حماية التراث الإنساني من الاستغلال التجاري الذي طال العديد من العناصر الثقافية القديمة. وتُذكّرنا دراسته هذه بأن التاريخ ليس مجرد أساطير نرويها، بل هو كنز معرفي يجب أن يُحفظ ويتم دراسته بعناية.
aXA6IDE4LjIyMy4yMzguMTgzIA== جزيرة ام اند امز