ليس إيران أو حزب الله.. إيهود أولمرت يكشف خطر إسرائيل «الأكبر»
حذر إيهود أولمرت، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، من أن إسرائيل على الرغم من أنها تشهد هذه الأيام حرباً متعددة الجبهات، فإن تلك الحروب ليست الخطر الأكبر الذي يواجه البلاد.
وأوضح، في مقال بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أنه رغم الحرب مع حماس ومليشيات إيران في سوريا، والحوثيين في اليمن، والمليشيات العراقية، وأهم من هذا كله إيران، وجميعهم يشاركون في الحرب ضد إسرائيل، ومستعدون لتوسيعها وزيادة قوتها، فإن خطر إسرائيل الحقيقي يكمن في الداخل.
- صواريخ ومسيرات وانفجارات.. صافرات الإنذار لا تتوقف بـ17 بلدة إسرائيلية
- بـ«العقوبات».. اليابان تجابه «عنف المستوطنين» الإسرائيليين
وأشار أولمرت، الذي شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل من عام 2006 إلى عام 2009، إلى أن إسرائيل تتجهز فعليا للانتقام المتوقع من إيران وحزب الله، والمتحدثون باسمها لا يتوقفون عن إعلان التحضيرات والتجهيزات والرد الإسرائيلي، في حال تجرأت إيران أو حزب الله على ضربنا.
ولفت إلى أن حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الحربية، وأسراب طائرات، وقوات عسكرية لجيوش أوروبية، جميعها مستعدة للرد إذا فتحت إيران ما يمكن أن تكون حرباً متعددة الجبهات ضد إسرائيل.
وتابع: «نحن مصممون على الرد بقوة وبحرب كبيرة ضد كل أعدائنا بالخارج، إلّا إن الخطر الأكبر الذي يهدد إسرائيل ووجودها، ويمكن أن يُزعزع استقرارها واقتصادها ووحدتها وهويتها، هو من الداخل ولا نتطرق إليه جميعنا».
واستطرد: «هذا الخطر يبرز من خلال التأثير الكبير والمتصاعد للمجتمع اليهودي-المسياني، الذي يتمدد كثيراً، ويسيطر على مناطق مختلفة داخل الدولة والمجتمع الإسرائيلي، وهو مصمم على زعزعة أساسات وجودنا كما كانت عليه منذ تأسيس الدولة».
واليهود-المسيانيون هم حركة إنجيلية بروتستانتية تؤكد العنصر «اليهودي» في الإيمان المسيحي، وتعتبر حركة يهودية عرقيا مسيحية دينيا.
ورأى أولمرت أن الأحداث التي جرت في معسكر الجيش «سديه تيمان» ليست إلا البداية الصغيرة لتهديدهم الدولة، معتبرا أن هذا الخطر يتم التعبير عنه، أولاً من خلال شعورهم، ومن خلال قياداتهم وممثليهم في الكنيست والحكومة والسلطات البلدية والجماهيرية المختلفة، بأن كل شيء مسموح لهم، ولا يوجد ما يكبحهم داخل الدولة.
وذكر أن «اندفاعهم وهجومهم على القواعد العسكرية، والضرر الذي ألحقوه بالجيش والجنود والضباط، نتيجة لا يمكن منعها، وهي نابعة من القوة التي راكموها وشعورهم بأنه مسموح لهم كل شيء، لأنهم يمثلون الروح الحقيقية التي يجب أن تكون الأساس لوجود دولة إسرائيل».
وتساءل أولمرت «ما هذه الروح في نظرهم؟».. وأجاب «هؤلاء يرون إسرائيل دولة يهودية، وفي الدولة اليهودية لا مكان لغير اليهود، وعندما يصل إلى البلاد مهاجرون جدد من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، يجب إعادتهم فوراً إلى المكان الذي جاؤوا منه لظنهم بأنهم ليسوا يهودا، وعندما يدور الحديث حول مواطنين من غير اليهود داخل إسرائيل فيجب مقاطعتهم وتمييزهم واستفزازهم وعدم التعاون معهم، وعدم محاولة خلق حياة مشتركة من الاحترام المتبادل معهم».
وتابع «أمّا إذا كان الأمر يتعلق بسكان الضفة الغربية فيمكن مهاجمتهم وتدمير أملاكهم وحرق حقولهم ومصادر رزقهم وإلحاق الضرر بهم بمبررات مختلفة، أغلبيتها كاذبة، ومن الممكن قتلهم أيضاً، الهدف النهائي تهجيرهم وإخلاء الأراضي المقدسة للمستوطنين».
وبحسب أولمرت فإن «هذا ليس الهدف النهائي لهذه الفئة من المتطرفين، بل من وجهة نظرهم لا مفر أيضاً من تطهير المجتمع الإسرائيلي من كل مَن لا يتوافق معهم، ومن كل مَن هو مستعد للتفكير في تسوية جغرافية، كجزء من مسار يمكن أن يؤدي إلى المصالحة بيننا وبين الفلسطينيين».
ودلل أولمرت على مآرب هؤلاء بقوله «أطلق هؤلاء على فئة كبيرة داخل المجتمع مسمى اليساريين، ويتم نبذهم، ومن الممكن أيضاً التحريض ضدهم وإطلاق النار عليهم، إذا احتاج الأمر».
وبين أنه «تم توزيع أسلحة ملائمة للمليشيات التي تنصاع لقائد المعسكر المسياني، ويوما ما ستقوم هذه المليشيات باستعمال السلاح الذي حصلوا عليه لطردنا نحن-اليساريون، المتعاونون مع حماس ورجال الشاباك والأجهزة الأمنية».
وأشار إلى أنه «في نظر جزء من المحرضين هؤلاء الذين يعتبرونهم خونة تحدثوا مع يحيى السنوار، ونسقوا معه الهجوم القاتل الذي نفّذته حماس يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهذا التحريض الذي تنشره حسابات وهمية، والداعمون لنتنياهو يعيدون نشره ونفث السم الذي نعرف مصدره».
وأوضح أولمرت في هذا المضمار أنه «إذا كان هذا ليس كافياً فيوجد في الجيش اليوم وحدات كاملة تضع لنفسها قواعد مختلفة عن تلك المتعارف عليها، التي كبرنا عليها، وكانت السمة الأخلاقية المعروفة لدولة إسرائيل».
والمثال الأفضل رأيناه في سديه تيمان وقضية الجندي أليؤور آزريا الذي قتل شخصا من الخليل وهو جريح ملقى على الأرض، وسببت احتجاجات كبيرة في إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت شعر جزء كبير منا بالاستغراب حيال الدعم الذي حصل عليه آزاريا من فئات واسعة من المنظومة السياسية، وأيضاً من أجهزة الأمن والوحدات المقاتلة».
ورأى أن قضية «سديه تيمان» أخطر كثيراً من قضية آزريا، معللا ذلك بالقول: «هنا لا يدور الحديث حول جندي شاب لا يفكر بشكل جيد، وفقد السيطرة على نفسه، بل حول مجموعة كبيرة من الأشخاص الناضجين وجنود في جيش الاحتياط.
وتابع: للأسف هم مجموعة مشاغبين يستمعون إلى توجيهات إيتمار بن غفير وزملائه من حزب (القوة اليهودية) أو حزب «الليكود» أو أحزاب أُخرى في الائتلاف، ليسوا فقط أعضاء كنيست، بل أيضاً هم أفراد شرطة ومحققون، ومن غير المؤكد أنهم يقومون بدورهم، بحسب القانون، ويكشفون ما يجب الكشف عنه.
وأوضح أولمرت أنه «في نهاية المطاف، بالنسبة إلى هؤلاء المتشددين فإن أسرى النخبة هم قتَلة، وعندما يتعلق الأمر بهم فإن قواعد الأخلاق والمعايير المطبقة في التحقيق، أو منع الاعتداء الجنسي على المعتقلين لا تنطبق عليهم».
ويقول إنهم «لا يتورعون عن ضرب فلسطينيين أبرياء في الضفة الغربية وإلحاق الضرر بهم، وعندما يتجاهل الجيش والشرطة ذلك، إذاً.. فما الذي يمنع الاعتداء على أسير كان له علاقة بيوم السبت الأسود في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، حتى لو كان مرمياً داخل الزنزانة من دون أيّ قدرة؟».
ومضى أولمرت في مهاجمة رموز هذا التيار المتشدد بلغة ساخرة: «اليوم الذي سيطلب فيه الجنود من الوزير عميحاي إلياهو، أو المقاتل تسفي سوكوت، الحضور عندما يتلقون أوامر لا تتماشى مع ما يؤمنون به ليس بعيداً، على سبيل المثال، أمر إخلاء مستوطنة غير قانونية، أو السماح لقافلة مساعدات إنسانية بالوصول إلى المجتمع الفلسطيني الذي يحتاج إليها بشكل عاجل في غزة».
وأكد: «أنا أعلم أن ما أكتبه يمكن أن يبدو مبالغاً فيه، لكن.. هل نحن فعلاً قريبون من واقع حرب أهلية ومواجهة عنيفة بين الجماعة المسيانية وفئة أُخرى مهمة ومركزية في المجتمع الإسرائيلي؟ هل من الممكن أن يهاجموا الجنود ويحاولون منعهم من القيام بواجبهم، ومنع العنف، بتوجيه بندقية في اتجاه مواطنين يمثلون قيماً مختلفة، وفي الأساس رؤية مختلفة للعالم؟».
وأكمل: «هل يمكن أن يُلحق هؤلاء المتطرفون الضرر بهؤلاء الذين يستعدون للانسحاب من الضفة، ومن ضمنهم أنا؟ وهل يوجد أيّ احتمال لأن يفهموا أنه لا مفرّ من التنازل عن أراضٍ في الضفة من أجل التوصل إلى تسوية تقودنا في نهاية المطاف إلى الحديث عن السلام والمصالحة والحياة، دون حرب وسفك دماء وقمع شعب آخر؟».
واستطرد: «لا يمكن فصل سلوك المتظاهرين من المستوطنات ومن ينضمون إليهم من أماكن أخرى، عن أسلوب الخطاب العام الذي يمليه الزعماء السياسيون، خاصة الوقاحة العدوانية التي أظهرها رئيس الوزراء تجاه قادة المؤسسة العسكرية والأمنية».
إن أي شخص يصف رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، ورؤساء الموساد والشين بيت، وضباط الاستخبارات العسكرية، وطياري سلاح الجو بأنهم "ضعفاء" وغير قادرين أو غير راغبين في محاربة حماس والضغط على يحيى السنوار، يقدم الإلهام والدعم المعنوي لمثيري الشغب، مما يسمح لهم باتخاذ خطوة أخرى إلى الأمام.