قراءة في نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية
أهم دلالات نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية، تتمثل في خروج الأحزاب القديمة من المشهد السياسي المقبل.
كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية، التي أسفرت عن فوز عبدالمجيد تبون بـ58% في الجولة الأولى التي جرت، الخميس، عن تحولات غير متوقعة في اتجاهات تصويت الناخبين.
- رئيس الجزائر: سأعمل لطي صفحة الماضي وأدعو الحراك لنعمل معا
- تبون يشكر الجزائريين وبن فليس يلمح لـ"اعتزال السياسة"
أغلب المتابعين للشأن الجزائري واستطلاعات الرأي التي أجرتها بعض المؤسسات الجزائرية، أشارت لاحتمال تقدم عز الدين ميهوبي، مرشح حزبي السلطة السابقة (جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي) اللذين أعلنا دعمهما الكامل لهذا المرشح.
استطلاعات الرأي حصرت المنافسة بين عزالدين ميهوبي وعبدالمجيد تبون، الفائز برئاسة الجزائر، وفي حين حل ميهوبي في الترتيب الرابع بنسبة 7,26%، بعدد أصوات 617,753 من إجمالي 24,474,161 صوتاً، جاء علي بن فليس ثالثاً بنسبة بلغت 10,55%، هذا بالإضافة لفشل توقعهم بانخفاض نسبة المشاركة التي بلغت في الداخل 41,13%، متناقصة عن 2014 بنسبة 9% فقط تقريباً.
واقع جديد
فوز عبدالمجيد تبون، الذي لم تدعمه الأحزاب الكبيرة، وحلول المرشح عبدالقادر بن قرينة، الإخواني الذي تحرك منفرداً، بعد إعلان مجتمع السلم (الحزب ذو التوجه الإسلامي الأكبر في الجزائر) عدم دعمه لأي من المرشحين، يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تغير اتجاهات الناخبين، وتراجع مرشح الحزبين الكبيرين، بالإضافة لمعرفة حدود تأثير فوز "تبون" على واقع ما بعد الانتخابات.
ووفقاً للنتائج الأولية، فإن التفاوت الكبير في نسبة الأصوات، وعددها بين الفائر والمرشحين الأربعة، الذي كان أقلهم عبدالعزيز بلعيد بنسبة 6,66%، يشير إلى أن عمل "تبون" تحت غطاء شعبي قوي يساعده في أن يتصرف بعقلية الرئيس الذي يجمع كل الجزائريين، ويؤسس عملية سياسية جديدة.
تحليل الأرقام الذي حصل عليه المرشحون الخمسة، يشير إلى رفض الناخب الجزائري النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي البوتفليقي، وكل من شارك من أحزاب السلطة القديمة.
ويمكن القول إن النسب المذكورة تشير إلى تراجع ترتيب مرشح أحزاب السلطة في عهد بوتفليقة، عز الدين ميهوبي، أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وتقدم ملحوظ للمرشح الإخواني "بن قرينة"، الذي مثلت نتيجته مفاجأة لكثيرين.
وبالتالي تراجع مرشح أحزاب السلطة وتقدم المرشح الإخواني الذي يرأس حزباً حديثاً، يشير إلى تغير ملحوظ في توجهات الكتلة الناخبة في الجزائر، واحتمالات عدم استقرارها خلال الانتخابات التشريعية والبلدية المقبلة.
تأثيرات كبيرة
تكشف توجهات الكتلة الناخبة الجزائرية، التي توجهت لصناديق الاقتراع لدعم المرشح الجديد "تبون" وغيرت كل التوقعات، عن احتمالات حدوث هزة عنيفة للأحزاب الكبيرة (التجمع الوطني، وجبهة التحرير)، قد تؤدي إلى خروجها تماماً من المشهد السياسي، وينتهيان شعبياً.
ويأتي ذلك بعد إعلانهما الصريح رفض دعم "تبون" وإصدارهما بياناً قبل يوم الاقتراع يؤكدان التزامهما الكامل بالوقوف وراء عز الدين ميهوبي، بل ربما يؤدي ذلك لهزة وخروج عدد كبير من الأحزاب، وبالتالي ينتقل قطاع كبير من الجزائريين إلى واقع سياسي جديد، أهم ملامحه تأسيس أحزاب سياسية جديدة تؤسس برلماناً قوياً.
لم تقتصر نتائج العملية الانتخابية على فوز عبدالمجيد تبون وهزيمة الحزبين الكبيرين، بل أدت أيضاً إلى احتمالات حدوث تغير كبير في ترتيبات الأحزاب الإخوانية داخل الجزائر، خاصة مع حصول عبدالقادر بن قرينة على المركز الثاني في الانتخابات، وهذا سيؤدي لتصعيد حزب العدالة والبناء على حركة مجتمع السلم "حمس" في حسابات الإخوان وغيرهم.
هذا بجانب تصدر حزب قرينة الحركة الإخوانية خلال الفترة المقبلة بعد خروج عدد كبير من أعضاء حركتي النهضة ومجتمع السلم، بل جبهة الإنقاذ عن موقف القيادة، ودعم المرشح خروجاً عن طاعة القيادة.
وبالتالي ربما تتمثل أهم أبعاد التأثيرات السابقة لنتائج العملية الانتخابية على الواقع الجزائري، في تغيير تكوين البرلمان المقبل، وظهور كتلة نيابية جديدة داعمة للرئيس الجديد، ومعبرة عن قطاع كبير من الشعب قد ينتقل من الحراك إلى السياسة والواقع المنظم.
تبون الرئيس
فوز عبدالمجيد تبون من الجولة الأولى، وبعدد أصوات كبير يمثل دافعاً للتغيير ومسؤولية تجبره على التصرف بعقلانية مع ملفات الماضي وتطلعات الكتلة الناخبة.
ورغم أن النتيجة التي حصل عليها الرئيس الجديد تعطيه قوة ليتخذ قرارات سياسية مؤثرة، إلا أنه من المحتمل أن يؤجل العمل في الملفات السياسية، ويبدأ بالاقتصادية والاجتماعية، انعكاساً لتكوينه الاقتصادي وعمله سنوات طويلة، وعلى ذلك ربما يؤجل تبون تعديل الدستور لحين استقرار الأوضاع ولملمة كتلة من الحراك لصالحه.
وعلى المستوى الخارجي، سيحاول "تبون" كما أعلن أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية، التحرك على محاور السياسة الخارجية الجزائرية، لإعادة دورها في المنطقة العربية وأفريقيا، وسيبدأ بإعادة رسم موازين القوى مع فرنسا، لكن بدرجة مختلفة عن النمطية التي أظهرها في تصريحاته السابقة، حيث كان يرفض التدخلات، باعتبارها تطالب بتمديد المرحلة الانتقالية وترفض إجراء الانتخابات الرئاسية في هذا التوقيت.
وبالإضافة إلى السياسة المحتملة من "تبون" تجاه فرنسا، ربما تتصدر مباحثات الرئيس الجديد في شهوره الأولى، العلاقة مع المغرب خاصة بعد تصريحاته التي لقيت رد فعل قوي بداخل الرباط، التي طالب فيها بالاعتذار الرسمي للجزائر، بسبب قرار فرض تأشيرات على الجزائريين في أعقاب الهجوم الذي ارتكب بمدينة مراكش عام 1994، بحسب تصريحات الرئيس الجديد أثناء حملته الانتخابية.
وفي النهاية يمكن القول إن أهم دلالات نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية، تتمثل في خروج الأحزاب القديمة من المشهد السياسي المقبل، ما يعني احتمال تعرضهم لنفس الأزمة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
بالإضافة إلى أن فوز المرشح المستقل عبدالمجيد تبون سيؤدي إلى إعادة النظر في التجربة الحزبية الجزائرية، وبالتالي ربما ينفتح جزء كبير من عناصر الحراك على السياسة، خاصة إذا بدأ الرئيس قراراته بالإفراج عن عدد كبير من أبناء الحراك، ودعاهم إلى ترك الشارع والتحاور في مستقبل الدولة.
aXA6IDMuMTM3LjE4MS42OSA=
جزيرة ام اند امز