تبون وبن فليس.. رئيسا وزراء بوتفليقة بين 5 متنافسين لخلافته
كل منهما يرى في نفسه ضحية لنظام بوتفليقة يتنافسان لخلافته وتوقعات بحسم الاستحقاق الرئاسي بينهما في جولة ثانية
أعلنت، السبت، السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات في الجزائر القائمة الأولية لمرشحي انتخابات الرئاسة الجزائرية المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل الذين بلغ عددهم 5 مرشحين.
- "الانتخابات الجزائرية" تعلن قبول أوراق 5 مرشحين للرئاسة
- الجزائر في أسبوع.. شلل قضائي ومخاض انتخابي ومآلات مبهمة
وتظهر أسماء المرشحين المعلن عنهم بأنهم من وجوه نظام الرئيس الجزائري المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، حيث شغل كل واحد منهم مناصب وزارية في عهده، باستثناء عبدالعزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، رغم أنه كان قيادياً بارزاً في حزب جبهة التحرير الحاكم، قبل أن ينشق عنه ويؤسس حزبه الحالي سنة 2012.
ومن بين الأسماء التي ستنافس في الاستحقاق الرئاسي المقبل، يوجد رئيسا وزراء من عهد بوتفليقة يتنافسان على خلافته وهما عبدالمجيد تبون بصفته مرشحاً مستقلاً وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات المعارض، وهي من المفارقات التي كشفتها قائمة المرشحين لانتخابات الرئاسة بحسب المراقبين.
ويرى كل من بن فليس وتبون بأنهما "من ضحايا نظام بوتفليقة"، رغم أن الأول تبنى نهج معارضة نظام بوتفليقة، والآخر ابتعد عن المشهد بعد "حادثة إقالته المثيرة للجدل بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه منصب رئيس الوزراء".
بينما يرى مراقبون للوضع السياسي في الجزائر أن المواقف المعارضة لأي شخصية تولت مناصب في عهد بوتفليقة قد لا تشفع لها عند شارع ثائر مطالب بإبعاد جميع وجوه النظام السابق وإحداث التغيير الجذري في نظام الحكم.
ومن أصل 5 مرشحين أيضاً للسباق الرئاسي في الجزائر، يوجد أيضاً مرشحان سبق لهما التنافس في انتخابات الرئاسة في عهد بوتفليقة، وهما علي بن فليس في 2004 و2014 وعبدالعزيز بلعيد سنة 2014.
وخلال ندوة صحفية بالجزائر العاصمة، قال محمد شرفي رئيس السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات بالجزائر: "إن رئاسيات ديسمبر المقبل ستكون أول انتخابات حرة وديمقراطية منذ الاستقلال".
غير أن ردود الفعل الأولية للمتابعين لقائمة المرشحين، أظهرت "صدمة"، ومنهم من ذهب إلى حد وصفها "بولاية بوتفليقة الخامسة بخمسة وجوه من عهده"، ورآها آخرون "خيارات محدودة ومنها المرفوضة"، خاصة مع تصدر وجوه "سبق للمتظاهرين أن طالبوا برحيلها مع نظام بوتفليقة".
بينما شرع آخرون في الترويج لمرشحيهم الذين يرون فيهم "المنقذ الوحيد لأزمة الجزائر"، وأطلقوا أسماء "شخصيات تاريخية وسياسية من الجزائر وخارجها" على بعض المرشحين.
عبدالمجيد تبون.. عاصر بوتفليقة واقفاً ومقعداً
منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، طرحت أوساط سياسية وإعلامية اسم رئيس الوزراء الجزائري الأسبق عبدالمجيد تبون لخلافة بوتفليقة، بين من رآه "الأنسب" ومن وصفه "مرشح السلطة".
هو من الشخصيات السياسية الجزائرية المحسوبة أيضاً على "جيل الثورة"، حيث ولد في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1945 بمحافظة النعامة الواقعة في الجنوب الغربي من الجزائر.
تبون أيضاً من السياسيين الجزائريين الذين تخرجوا في المدرسة الوطنية للإدارة التي درس بها تخصص "اقتصاد ومالية" وتخرج فيها عام 1969، ليتولى بعدها مناصب عدة كان تابعاً خلالها لوزارة الداخلية من 1975 إلى 1992 "أميناً عاماً لمحافظات عدة"، ثم وزيراً منتدباً للجماعات المحلية التابعة لوزارة الداخلية سنة 1992.
ومع مجيئ بوتفليقة للحكم في أبريل/نيسان 1999، عينه وزيراً للسكن والعمران، في وقت كانت الجزائر تعيش أزمة سكن حادة، وكانت من أبرز وعود بوتفليقة الانتخابية "إنشاء 5 ملايين سكن".
خرج "الوزير" تبون حينها بمشروع جديد لامتصاص تزايد حاجة الجزائريين للسكن في ذلك الوقت، والمتمثل في "سكنات عدل"، تساهم فيها الدولة بـ30% من قيمتها لصالح المستفيد منها، بينما يدفع المستفيد قيمة السكن على أربع مراحل، تكون الأخيرة على "شكل أقساط إيجار" يتم تسديدها على مدار 25 عاماً.
غير أن بوتفليقة فاجأ الجزائريين بإقالة تبون من منصبه عام 2002 قبل البدء في المشروع، وحوله نحو "وزارة الاتصال" (الإعلام) لعام واحد أيضاً، قبل أن يعيده إلى وزارة السكن عام 2001، ويبدأ في العام نفسه إنجاز العمارات السكنية المعروفة بـ"عدل 1".
لم يمكن تبون طويلاً في منصبه، وأقاله بوتفليقة مرة أخرى في 2002، حيث ذكرت تقارير إعلامية فرنسية وبعض الجزائرية حينها أن "بوتفليقة بات ينظر في تبون خطراً على مكانته، كونه كان الوزير الوحيد من وزرائه الذي تمكن من تجسيد أهم مشروع لدى الجزائريين"، وفق ما جاء في تلك التقارير.
غاب بعدها عبدالمجيد تبون عن الأنظار لمدة 10 سنوات كاملة، قبل أن يعود إلى الحكومة في المنصب نفسه "وزارة السكن" عام 2012، ليجد أن "مشروع عدل" بقي "مجمداً"، حتى إن كثيراً ممن سجلوا فيها "ماتوا قبل استلامهم مفاتيح سكنات طال انتظارها".
سارعت وزارة السكن الجزائرية حينها إلى إعادة بعث المشروع مستفيدة من الطفرة المالية التي حققتها الجزائر بعد ارتفاع أسعار النفط، وتعلن الجزء الثاني من المشروع "عدل 2"، في حين لا توجد أرقام مضبوطة لعدد المستفيدين من تلك السكنات.
كما منح بوتفليقة وزيره تبون صلاحية تشييد "مسجد الجزائر الأعظم"، وهو المسجد الذي شهدت مراحل إنجازه "عراقيل كبيرة" كما صرح تبون سابقاً، واتهم خلالها "اللوبي الموالي لفرنسا" بذلك، كونه شيد في "عاصمة التبشير الفرنسية في أفريقيا" التي كانت تسمى "لافيجري" وتم تغيير اسمها فيما بعد إلى "المحمدية".
بقي تبون في منصبه لمدة 5 أعوام كاملة، قبل أن يعينه بوتفليقة في منصب رئيس الوزراء "رقم 17" في تاريخ الجزائر في مايو/أيار 2017، لكنه كان "أقصر رؤساء الوزراء حكماً" في الجزائر، بعد إقالته في أغسطس/آب من العام نفسه.
وتداولت وسائل الإعلام الجزائرية حينها ما أسمته "حرب تبون على رجال أعمال بوتفليقة" خاصة علي حداد القابع في السجن حالياً، واستبقت الرئاسة الجزائرية قرار عزله بإصدارها بياناً انتقدت فيه ما أسمته "تحرش الحكومة ببعض رجال الأعمال".
علي بن فليس.. من نصير لبوتفليقة إلى خصم لدود
كان علي بن فليس أول من أعلن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة، وهو أكثر "المرشحين" في الانتخابات الرئاسية بمعدل "3 مرات"، في 2004 و2014 و2019.
هو أيضاً من "جيل الثورة التحريرية" الجزائرية، حيث ولد في 8 سبتمبر/أيلول 1944 بمحافظة باتنة شرقي الجزائر، وابن شهيد في الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
رغم أنه "من الأسماء الثقيلة" كما يوصف ومن أبرز الشخصيات السياسية الجزائرية، فإنه لم يكن من خريجي المدرسة العليا للإدارة، حيث اختار التخصص في القانون بعد أن درس في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر العاصمة التي تخرج فيها عام 1968 بشهادة الليسانس "بكالوريوس".
انطلق بعدها بن فليس ويصبح واحداً من أبرز القضاة في الجزائر، وكانت محكمة البليدة (وسط) أول تجربة له في مجال القضاء عام 1968، ثم مناصب رفيعة في سلك القضاء من وكيل للجمهورية إلى نائب عام في بعض المجالس القضائية من 1969 إلى 1974.
وفي 1974 دخل بن فليس إلى سلك المحاماة، وانتخب بمسقط رأسه بمحافظة باتنة نقيباً للمحامين من 1983 إلى 1985.
بعد أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988، أحدث الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد تغييرات حكومية، عين علي بن فليس وزيراً للعدل عام 1988، وحافظ على منصبه في 3 حكومات متتالية، قبل أن يقدم استقالته في أكتوبر/تشرين الأول 1991، احتجاجاً "على المعتقلات التي أنشأت في الصحراء الجزائرية"، كما ذكر في تصريحات صحفية.
عاد اسم بن فليس إلى واجهة الأحداث السياسية في الجزائر بصفة "مدير لحملة بوتفليقة الانتخابية" سنة 1999 التي كانت في أول انتخابات رئاسية يخوضها الرئيس الجزائري المستقيل في أبريل/نيسان 1999 والتي شهدت انسحاب 6 مرشحين عشية التصويت.
تولى بعدها الحقوقي والمحامي منصب "مدير ديوان الرئاسة" عام 1999، ثم رئيساً للحكومة من ديسمبر/كانون الأول 1999 إلى أغسطس/آب 2000، وأميناً عاماً لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم من 2001 إلى 2004، قبل أن ينشق عنه ويؤسس حزب "طلائع الحريات" المعارض سنة 2014 مع مجموعة من الوزراء السابقين.
وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية، كشف بن فليس أسباب "الطلاق السياسي مع بوتفليقة" سنة 2003، وأرجع ذلك إلى رفضه مشروع قانون المحروقات الذي قال إنه "يبيع ثروات البلاد للشركات الأجنبية".
وقرر بن فليس منافسة بوتفليقة في انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2004 بدعم من قائد أركان الجيش السابق محمد العماري، ثم ابتعد عن المشهد لفترة 10 سنوات كاملة، ويعود عشية انتخابات الرئاسة التي جرت في 2014 ليترشح مرة ثانية ضد بوتفليقة.
واتهم بن فليس نظام بوتفليقة بـ"الانتقام منه ومن كل داعميه في انتخابات 2004 و2014"، ويصفه المراقبون بـ"أكثر الشخصيات المتمردة على نظام بوتفليقة بعد أن كان يده اليمنى".
وفي العشرية الأخيرة، تبنى علي بن فليس خطاباً معارضاً لنظام بوتفليقة، وكان من بين السياسيين النادرين الذي وصفوا نظامه بـ"العصابة المتحكمة في البلاد"، وشارك مع بقية أحزاب المعارضة في طرح مبادرات لما أسمتها "إنقاذ الجزائر من نظام بوتفليقة".
ورغم أن بن فليس كان من أشد الداعين لضرورة إجراء انتخابات الرئاسة لحل الأزمة السياسية الحالية، فإنه فاجأ المتابعين الأسبوع الماضي، عندما قال: "إن الرئاسيات المقبلة لا تحظى بالظروف المثالية" وأن قرار المشاركة فيها جاء "لإنقاذ البلاد".
وسبق لمحللين سياسيين أن توقعوا اشتداد المنافسة في انتخابات الرئاسة الجزائرية بين عبدالمجيد تبون وعلي بن فليس، وتوقعوا حسم الاستحقاق الرئاسي بـ"جولة ثانية" ستكون الأولى من نوعها في تاريخ انتخابات الرئاسة الجزائرية.
aXA6IDE4LjExOC4xMjYuNDQg جزيرة ام اند امز