الجزائر في أسبوع.. شلل قضائي ومخاض انتخابي ومآلات مبهمة
إضراب القضاة المفتوح تجاوز 22 مرشحاً محتملاً، عقب التوقيعات وتصعيد الحراك من رفضه الانتخابات كانت أبرز أحداث أسبوع الجزائر
بين إضراب القضاة وتجاوز 22 مرشحاً محتملاً عقبة التوقيعات وتصميم الحراك الشعبي على رفض الانتخابات، تزاحمت أحداث الجزائر في أيام أسبوعها السبعة، التي تزامن ختامها مع عيد الثورة الـ65.
- الجزائر في أسبوع.. غموض انتخابي وزلزال قضائي وحراك شعبي مستمر
- أسبوع الجدل بالجزائر.. انقسام حول الانتخابات والمحروقات والحكومة
وشهدت الجزائر لـ5 أيام كاملة إضراباً مفتوحاً للقضاة، رفضاً لحركة التغييرات الأخيرة الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل، ومع تمسك كل طرف بموقفه، تصاعدت التحذيرات من خطورة "الإضراب غير القانوني" على سيرورة العملية الانتخابية.
عملية تجاوزت السبت الماضي مرحلتها الأولى، بعد أن اتضحت "الخارطة الأولية" لمرشحي انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وفشل 135 مرشحاً محتملاً في جمع التوقيعات المنصوص عليها قانوناً من أصل 147 مرشحاً محتملاً، في انتظار الإعلان عن القائمة الأولية يوم غد السبت.
ومع كل هذه التطورات المتسارعة لم يهدأ الشارع الجزائري، ليخرج في أول مظاهرة ليلية منذ بدء الحراك، الخميس، حيث خرج المئات في مواكب دعائية لما أسموها بـ"مليونية الإطاحة بالانتخابات"، اليوم الجمعة.
قضاة مضربون.. رئاسة صامتة ووزارة متحدية
لم ينفرد الأسبوع الماضي في الجزائر بكونه الأول الذي يشهد اندلاع مظاهرات ليلية فقط، بل سجل سابقة أخرى هي الأولى من نوعها بعد دخول القضاة في إضراب مفتوح شلّ جميع المجالس القضائية بالبلاد، منذ يومه الأول الذي بدأ الأحد الماضي، استجابة لطلب "نقابة القضاة".
وأعرب قضاة الجزائر عن رفضهم حركة التغييرات والتحويلات السنوية الأكبر من نوعها، التي أقرها المجلس الأعلى للقضاء الأسبوع الماضي، والتي شملت قرابة 3 آلاف قاضٍ، وحمّلوا وزارة العدل مسؤولية الشلل الذي أصاب محاكم البلاد.
ووجهت نقابة القضاة "نداءين عاجلين" للرئاسة في ظرف أسبوع واحد، تدعوها للتدخل العاجل لتجميد الحركة السنوية ووقف ما أسمتها "تشريد عائلات القضاة"، دون أن تبدي الرئاسة الجزائرية أي موقف لحد الآن.
شروط متبادلة
وفي ظل تمسك كل طرف بموقفه تبادلت نقابة القضاة ووزارة العدل الجزائرية "الشروط" لإنهاء حالة الانسداد التي يعيشها قطاع العدالة في البلاد.
اشترط القضاة تحقيق 4 مطالب لوقف إضرابهم المفتوح، تراوحت بين "تجميد الحركة السنوية، وإعادة النظر في القوانين المحددة للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، والفصل في المطالب المهنية، ودعوة وزير العدل للكف عن تعامله المتعالي مع القضاة".
بينما ردت وزارة العدل الجزائرية بشرطين لا ثالث لهما للدخول في "حوار جدي"، يشملان "وقفاً غير مشروط للإضراب، وتقديم القضاة المتضررين طعوناً في انتظار البت فيها خلال الأسبوع الثالث من الشهر الجاري".
وشاطر عدد من الحقوقيين البارزين موقف وزارة العدل الجزائرية، التي ذكرت القضاة بـ"عدم قانونية وشرعية الإضراب"، كون القانون الأساسي للقضاة "يمنعهم من الإضراب أو التحريض عليه".
وحذر حقوقيون، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، من خطورة خطوة القضاة على مصير انتخابات الرئاسة المقبلة، وأجمعوا على وصف الإضراب بـ"الخطأ الفادح في التوقيت الخطأ".
كما انتقد جزائريون عبر منصات التواصل ما وصفوه بـ"تسييس القضاة أزمة داخلية خاصة بهم"، بينما ذهب آخرون إلى حد اتهامهم بـ"تغليب مصالحهم الشخصية على مصالح البلاد"، وتساءل آخرون عن "غياب قوة القضاء" في "تزوير الانتخابات وتغول الفساد في عهد بوتفليقة".
كما تصاعدت تحذيرات مثقفين جزائريين من "ورقة القضاة"، التي قالوا إنها "ثقيلة بيد الدولة العميقة لتعطيل المسار الانتخابي بعد أن تأكدت بأنه سيفرز رئيساً من خارج مخابرها".
في حين، انتقد آخرون "التغيير بالجملة" الذي لجأ إليه المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل، ورأوا بأن الأمر "إذا كان يتعلق بمحاربة الفساد فكان الأحرى بالوزارة إحداث التغييرات بشكل جزئي، تفادياً لاستغلال المسألة باتجاه يخدم الدولة العميقة التي لا تزال تناور للضغط على الشارع والسلطة الجزائرية"، حسب تعبيرهم.
ووسط كل ذلك لم تبرز أية مؤشرات على إنهاء حالة الانسداد في القضاء الجزائري، وسط حديث عن لجوء السلطات الجزائرية إلى "استعمال القوة العمومية" في تنصيب القضاة الجدد، مع توقعات بأن تتجه الأوضاع إلى مزيد من التعقيد.
انتخابات تصارع بوجوه النظام السابق
السبت الماضي أسدل الستار على إيداع ملفات الترشح لانتخابات الرئاسة المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ومن أصل 147 مرشحاً محتملاً لم ينجح إلا 22 منهم في تجاوز عقبة التوقيعات.
ويترقب الجزائريون، يوم غد السبت، إعلان السلطة المستقلة للانتخابات عن "القائمة الأولية" للمرشحين الذين استوفت ملفاتهم الشروط القانونية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية من بين الأسماء الـ22، بينها 9 رؤساء أحزاب موالية ومعارضة و12 مستقلاً.
ورأى مراقبون أن "عنصر المفاجأة" بدأ في المرحلة الأولى من العملية الانتخابية، من خلال "تصدر وجوه من عهد بوتفليقة" قائمة المرشحين المحتملين للرئاسيات، والذين بلغ عددهم "8 على الأقل".
كما ذكر خبراء لـ"العين الإخبارية" أن فشل 135 مرشحاً في الحصول على التوقيعات "مؤشر كبير على أن انتخابات الرئاسة المقبلة ستشهد إقبالاً ضعيفاً من قبل الناخبين"، بعد أن عزف الجزائريون عن "منح توقيعاتهم للمرشحين قبل أصواتهم".
وعلى اختلاف تحليلاتهم توقع المحللون السياسيون إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بـ"من ترشح ومن صوت"، بينما اختلفت توقعاتهم بشأن اسم الرئيس التاسع الذي سيعلن عنه يوم 13 ديسمبر/كانون الأول المقبل، مع إجماع على أنها "المرة الأولى التي لا يعرف فيها اسم الفائز بالانتخابات قبل أوانها".
وتوقع خبراء أن "تشتد المنافسة" بين رئيسي الوزراء السابقين علي بن فليس وعبدالمجيد تبون، واحتمال حسم السباق الرئاسي بجولة ثانية من الانتخابات، بينما تكهن آخرون بأن يُحدث أحد المرشحين "المغمورين" المفاجأة، في ظل الخيارات المحدودة و"حتى المرفوضة" الموضوعة أمام الناخب الجزائري.
اتساع رقعة رفض الانتخابات
وفي الوقت الذي تتهيأ فيه السلطات الجزائرية لتنظيم انتخابات الرئاسة لم يهدأ الشارع الجزائري، الذي صعّد خلال الأسبوع المنتهي من رفضه إجراء انتخابات الرئاسة.
وعلى مدار أيام الأسبوع تداول جزائريون مقاطع فيديو بعنوان "أنا عنصر من الحراك"، تدعو إلى المشاركة في مظاهرة مليونية، اليوم الجمعة، تزامناً مع احتفال الجزائر بالذكرى الـ65 لاندلاع الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962).
وأطلق أصحاب المبادرة على الجمعة الـ37 من الحراك الشعبي اسم "جمعة إسقاط العصابات والانتخابات".
وشهدت العاصمة الجزائرية، ليلة الخميس، خروج مئات المتظاهرين "للمرة الأولى" منذ بدء الحراك الشعبي، معربين عن رفضهم إجراء انتخابات الرئاسة بوجود رموز نظام بوتفليقة في السلطة.
وقدم سياسيون وخبراء جزائريون لـ"العين الإخبارية" سيناريوهات عن "وجهة أزمة الجزائر"، والتقت غالبيتها عند إصرار السلطات الجزائرية على إنجاح الموعد الانتخابي وإجرائه في موعده، مقابل استمرار تشبث الحراك بتحقيق مطالبه المتمثلة بانتخاب "رئيس شرعي في ظروف أحسن".
وذكر بعض منهم أن "إجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف التي تتميز باحتقان شعبي سينجم عنها رئيس ضعيف، يجد نفسه أمام مهمة مستحيلة".
بينما رأى البعض الآخر بأن ما يحدث "هو توجيه للرأي العام من قبل خلايا الدولة العميقة التي تلعب آخر أوراقها"، وسط صراع متبادل بين انتخابات تعيش على واقع مخاض عسير ودولة عميقة "ألفت صناعة الرؤساء".