استمرار إضراب قضاة الجزائر.. وتحذير حقوقي: الانتخابات في خطر
القضاة المضربون يطالبون بتجميد حركة التغييرات الأخيرة التي شملت 3 آلاف قاضٍ، وتحذيرات من خطورة الإضراب على العملية الانتخابية بالجزائر.
واصل قضاة الجزائر، الأربعاء، لليوم الثالث على التوالي إضرابهم المفتوح في جميع المجالس القضائية للبلاد، احتجاجاً على حركة التغييرات الأخيرة التي أقرها المجلس الأعلى للقضاء والتي شملت نحو 3 آلاف قاضٍ.
- قائد الجيش الجزائري: انتخابات الرئاسة بموعدها
- "الجزائر واقفة".. مبادرة فنانين لإطلاق سراح سجناء الرأي
وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ الجزائر التي يلجأ فيها القضاة إلى الإضراب الشامل، في وقت ذكّرت فيه وزارة العدل الجزائرية في بيان لها بعدم قانونية هذا الإضراب.
وتنص المادة 12 من القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاة بالجزائر على أنه "يمنع على القاضي القيام بأي عمل فردي أو جماعي من شأنه أن يؤدي إلى وقف أو عرقلة سير العمل القضائي".
وتنص أيضا على "أنه يمنع على القاضي المشاركة في أي إضراب أو التحريض عليه، ويعتبر ذلك إهمالاً لمنصبه".
وبمختلف المجالس القضائية للجزائر، نظم القضاة وقفات احتجاجية، رفعوا خلالها شعارات تطالب بـ"تجميد" حركة التغييرات الأخيرة، وأخرى تدعو إلى "استقلالية العدالة"، وأخرى تندد بما أسمته "الوضع الاجتماعي المتدهور للقاضي".
ومن بين الشعارات المرفوعة: "أنا قاضٍ.. أنا لست فاسداً"، و"أنا قاضٍ.. أنا مع الشعب"، و"استقلالية القضاء مطلب القضاة والشعب"، و"لا لعدالة الهاتف".
زلزال قضائي
وجاء إضراب قضاة الجزائر عقب حركة التغييرات والتحويلات الأكبر من نوعها في تاريخ البلاد التي أعلن عنها، الخميس الماضي، المجلس الأعلى للقضاء، وشملت 2998 قاضياً في جميع المحافظات.
وبموجب التغييرات الجديدة، وافق المجلس على تعيين "775 قاضياً جديداً"، وترقية 1698 آخر إلى درجة "قاضٍ"، فيما تم تحويل بقية القضاة من مجالس قضائية إلى أخرى.
ووصف وزير العدل الجزائري بلقاسم زغماتي العملية بـ"التصحيح العميق لمظاهر مشينة في القطاع بعضها يثير الاشمئزاز وحتى التذمر"، كاشفاً في السياق عن بقاء قضاة في مجلس قضائي واحد لمدة 25 سنة كاملة، فيما يحدد القانون الجزائري ذلك بـ5 أعوام على الأكثر.
ووضع زغماتي محاربة الفساد في خندق واحد مع إصلاح جهاز العدالة الجزائري، وهو التصريح الذي قرأه متابعون على أنه "حرب جديدة ضد قضاة النظام السابق والدولة العميقة".
وعلى خلفية ذلك، سارعت النقابة الجزائرية للقضاة للدعوة إلى الدخول في إضراب مفتوح، واصفة التغييرات الأخيرة بـ"العمل الانتقامي غير المدروس والمجزرة في يوم أسود"، وبأنها "تظهر نية مبيتة للسلطة التنفيذية في عدم تكريس مقومات استقلالية القضاء، وضربها عرض الحائط لهذا المطلب المعبر عنه من طرف الشعب والقضاة معاً" على حد تعبير النقابة.
واتهمت النقابة وزارة العدل الجزائرية بما أسمته "التفرد بإعداد الحركة السنوية للقضاة في غرف مغلقة في وقت قياسي لا يتعدى الساعة من الزمن"، مشيرة إلى أن ذلك "يكرس هيمنة الجهاز التنفيذي على دواليب السلطة في الجزائر".
4 مطالب لوقف الإضراب
ورفضت نقابة القضاة الربط بين حركة التغييرات ومحاربة الفساد، معتبرة أن ذلك "مغالطة لأن المشكلة أعمق"، وقدمت 4 مطالب لوزارة العدل الجزائرية كشرط لوقف إضرابها المفتوح.
ووفق بيان نقابة القضاة الجزائرية الذي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، فقد دعا قضاة الجزائر إلى "الشروع فوراً في مراجعة النصوص القانونية الحالية التي تكرس هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية"، و"الفصل في المطالب المهنية التي سبق تقديمها يومي 26 يوليو و 21 أيلول من السنة الجارية".
إضافة إلى "تجميد الحركة السنوية حتى إعادة صياغتها دستوريا بصورة قانونية وموضوعية من طرف المجلس الأعلى للقضاء بعد استرجاعه صلاحياته المسلوبة كاملة غير منقوصة، وبإشراك النقابة الوطنية للقضاة".
وكذا "دعوة وزير العدل الجزائري إلى الكف عن تعامله المتعالي مع القضاة وممثليهم، وتذكيره بأن القضاة ليسوا قطيعاً يساق بهذه المهانة، والادعاء بتطهير القضاء وتنصيف قضاته بصورة مشينة".
وراسلت نقابة القضاة الرئيس الجزائري المؤقت، تدعوه إلى إعادة النظر في التغييرات الأخيرة في سلك القضاة، "مع مراعاة الجوانب الاجتماعية للقضاة".
إضراب غير قانوني
بدورها، ردت وزارة العدل الجزائرية على ما ورد في بيان نقابة القضاة، وأكدت على عدم قانونية الإضراب الذي شل محاكم البلاد، وبأن قرار التغييرات صدر بإجماع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.
وعن انتقاد النقابة لدور الوزارة في القرارات الأخيرة، أشار بيان "العدل" الجزائرية إلى أن الدستور الجزائري ينص على أن "وزير العدل هو النائب الأول للقاضي الأول في البلاد" (رئيس الجمهورية)، وأن حضور الوزير "زغماتي" دورة المجلس الأعلى للقضاء "نيابة عن الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح".
ودعت الوزارة الجزائرية القضاة إلى الالتزام بنص المادة 26 من القانون الأساسي للقضاء، والتي تمنح للقاضي حق تقديم طعن في قرار تحويله أو توقيفه.
انتقاد شعبي
وانتقد نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي قرار القضاة بشل المجالس القضائية، وعزت كثير من المنشورات أسباب الإضراب إلى "عدم الدفاع عن الوطن بل عن مصالحهم الشخصية"، وتساءل آخرون عن موقف القضاة من قضايا الفساد وتزوير الانتخابات في عهد بوتفليقة، ووصفوا إضرابهم بـ"الورقة الأخيرة للدولة العميقة لإلغاء انتخابات الرئاسة المقبلة".
وربط آخرون تلك التغييرات الكبيرة، بـ"محاولة السلطات الجزائرية إبعاد رموز جناحي الدولة العميقة من القضاء من التأثير على مجريات الاستحقاق الرئاسي، كون الأخير أصبح مكوناً رئيساً في السلطة المستقلة للانتخابات" المكلفة بتنظيم ومراقبة كافة مراحل العملية الانتخابية.
وأشار مدونون آخرون إلى "مخاوف كثير من القضاة" من اشتراط القانون الجزائري على القاضي الذي يتم تحويله "تقدم كشف بممتلكاته"، خاصة "لأولئك الذي تمكنوا من تكوين شبكات فساد لأكثر من 5 سنوات".
ومع ذلك، التقت مواقف الجزائريين عند ضرورة "استثمار الوضع المتأزم للمطالبة باستقلالية القضاء"، مؤكدين أن على "الفساد المستشري في العدالة الجزائرية أكبر من أي قطاع آخر"، كما جاء في بعض المنشورات.
انتخابات في خطر
وانتقدت وزارة العدل الجزائرية الإضراب الذي قام بها قضاة البلاد، وحذرت من "تداعياته السلبية على موعد انتخابات الرئاسة المقبلة".
بينما دعا بيان جديد للنقابة الجزائرية للقضاة جميع القضاة المضربين إلى "القيام بالمهام الموكلة لهم بموجب قانون الانتخابات بصفة كاملة"، ما يعني بحسب المتابعين "عدم مقاطعة القضاة لمراقبة انتخابات الرئاسة".
غير أن وسائل إعلام جزائرية كشفت عن انقسام بين القضاة المضربين حول مسألة الانتخابات المقبلة، وذكرت بأن "عدداً من القضاة هددوا بمقاطعة انتخابات الرئاسة في حال عدم تجميد حركة التغييرات الأخيرة".
خطأ فادح
وأكد الرئيس السابق للجنة الاستشارية لحقوق الإنسان بالجزائر أن إضراب القضاة "غير قانوني وغير شرعي، وإن كان من حقهم الدفاع عن حقوق الاستقلالية والحقوق الاجتماعية، لكن وفق ما يقتضيه القانون".
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن القضاة "وضعوا أنفسهم والبلاد في وضعية خطرة"، وتوقع في المقابل أن تلجأ وزارة العدل وبشكل قانوني إلى "إقصاء القضاة المضربين من المهنة"، ووصف إضرابهم بـ"الخطأ المشين".
وأكد الحقوقي الجزائري البارز بأن القانون يمنع الإضراب على القضاة وعلى أفراد الجيش والتحريض عليه، مستبعداً أن يكون سبب "تقديم كشف بالممتلكات وراء الإضراب".
وتابع موضحاً "القانون يعطي الحق للقاضي في تقديم الطعن في حالات التحويلات والتغييرات، حتى وإن تجاوز عمله 5 سنوات في مجلس قضائي واحد".
وأقر "قسنطيني" بخطورة إضراب القضاة على العملية الانتخابية، مشيراً إلى "أن للقضاة دورا مهما في مراقبة الانتخابات، وإن استمر إضرابهم مع احتمال إقصاء عدد كبير منهم، فإن ذلك يهدد موعد انتخابات الرئاسة، وهو ما يضع الجزائر في وضع خطر وغير مسبوق".
ويرى الحقوقي أن حل أزمة الانسداد الحالية في القضاء الجزائري "لن تتم إلا بالحوار بين الوزارة والقضاة مع تنازل كل طرف، ولا يمكن أن ننسى أن وزير العدل الحالي هو قاضٍ في حد ذاته".
وأضاف: "هذه التصرفات الغريبة هي سابقة خطرة لم تحدث في تاريخ الجزائر، ولم يسبق للقضاة في كل الأزمات التي مرت بها البلاد أن لجأوا إلى هذه الأساليب، ونتأسف كثيراً على هذه الأزمة الخطرة التي تسبب فيها القضاة، ولا يمكن للبلاد أن تسير بدون عدالة خاصة في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها الجزائر".
وشدد على أن "خطر وحساسية هذه القضية يدفعنا للقول إنه لا بد أن يكون فيها لا غالب ولا مغلوب، لا من الوزارة ولا من القضاة، وعلى الجميع مراعاة المصلحة العليا للبلاد".
قضية غامضة
أما المحامية فاطمة الزهراء بن براهم فقد انتقدت "غياب المرأة في التغييرات الأخيرة التي شملت نحو 3 آلاف قاض" في تصريح لـ"العين الإخبارية".
وأوضحت بأن "كل التغييرات السابقة كانت فيها المرأة حاضرة، إلا في القرار الأخير، كما لم نجد المرأة في منصب رئيس المجلس أو نائب عام".
ومع ذلك، اعتبرت المحامية الجزائرية البارزة بأنها "الملاحظة الوحيدة التي خرجت بها من حركة التغييرات الأخيرة"، وأعربت في المقابل عن "عدم فهمها للأسباب الحقيقية التي دفعت القضاة للجوء إلى الإضراب".
وقالت "كنا نتوقع ابتهاج القضاة بهذه التغييرات، لكن أنا شخصياً لم أفهم ما الذي يحدث، وللقاضي حق التظلم، ومع ذلك لم أفهم ما المقصود بتلك المطالب التي طرحها القضاة، رغم أن قرار التغييرات كان يجب عليه مراعاة الجوانب الاجتماعية للقاضي".
وأضافت "كان من المفروض الإعلان عن التغييرات مع نهاية الصيف كما كان معمولاً به، ومع ذلك القضاة كانوا ينتظرون حركة التغييرات التي أعدت في عهد وزير العدل الأسبق الطيب لوح، ثم تأجلت مع الذي خلفه براهيمي، وتم تعديلها والإعلان عنها في عهد الوزير الحالي".
وأكدت "بن براهم" على أن القانون يمنع على القاضي البقاء في منصبه لأكثر من 5 سنوات كما هو معمول به عالميا، وهو المبدأ "الذي يمنع على القاضي تكوين شبكة علاقات مشبوهة"، وأشارت إلى أنه يحق للمجلس الأعلى للقضاء الإعلان عن التغييرات بشكل سنوي.
وتساءلت "هل يعقل أن يبقى قاض في مكان واحد لأكثر من 25 سنة؟ إنه أمر غير منطقي"، مضيفة أن قرار إضراب القضاة على خلفية التغييرات الأكبر من نوعها "جعلتنا نحتار إن كانت عقوبة للقضاة أم مزايا جديدة منحت لهم".
aXA6IDUyLjE1LjIxNy44NiA=
جزيرة ام اند امز