كما هو متوقع، فاز المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد حصوله على 62% من أصوات أول جولة.
وستبدأ إيران مرحلة جديدة، تطوي صفحة الإصلاحيين، الذين كانوا يمثلون الوجه المستعار المعتدل لإيران، ويتسلم منصب الرئاسية شخص آخر محسوب على التيار المتشدد، لتكتمل قبضة هذا التيار على مفاصل السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والسياسية في إيران.
الانتخابات ونتائجها كشفت دلالاتين مهمتين، الأولى هي حالة اليأس والإحباط لدى الإيرانيين، الذين قاطع غالبيتهم الانتخابات، بالرغم من حملة الدعايات المكثفة التي قامت بها الأجهزة الرسمية الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الأعلى نفسه، لحث الناخبين على المشاركة.
فنسبة مَن صوّتوا كانت أقل من 50% ممن يحق لهم التصويت، حتى بموجب البيانات الرسمية فإن 28 مليون إيراني شاركوا في الانتخابات من أصل 59 مليونا يحق لهم التصويت، وهي نسبة من بين الأضعف في تاريخ الانتخابات الرئاسية.
الدلالة الثانية، هي إصرار التيار المحافظ، على الإمساك بمفاصل الدولة كلها في المرحلة الحالية، التي تشهد وجود إدارة أمريكية جديدة وبتحركاتها التي تسعى لمحاولة الانفتاح على إيران وإعادة الحياة للاتفاق النووي، وهو ما قد ينطوي على رسالة بأن طهران غير معنية أو مهتمة بهذه التحركات الأمريكية، أو أنها تريد الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية عبر نهج تفاوضي متشدد لا يقبل بتقديم كثير من التنازلات.
مع الاعتراف بحقيقة أن السياسة الخارجية الإيرانية لا تتغير كثيراً بتغير شخص الرئيس وتوجهاته، سواء كانت إصلاحية أو محافظة، لأن هذه السياسة يصنعها ويتحكم فيها بالأساس المرشد الإيراني والحرس الثوري، فإن هناك بلا شك بعض التغييرات التي قد نشهدها في التكتيك وليس في المضمون.
فالمفاوضات الجارية حالياً في العاصمة النمساوية بين إيران وأطراف الاتفاق النووي، وبمشاركة أمريكية غير مباشرة، ستتواصل، ولكن جوانب الشك وعدم الثقة فيها ستزيد حدَّتها، مما قد يترتب عليه إطالة أمد هذه المفاوضات.
هناك احتمال آخر يسير في الاتجاه العكسي تماماً، ولا يمكن استبعاده، وهو تسريع المفاوضات الحالية بهدف التوصل إلى اتفاق خلال الستة أسابيع المقبلة، أي قبل أن يتسلم "رئيسي" السلطة رسمياًّ، كما ألمح لذلك مسؤولون أمريكيون، والهدف من ذلك هو عدم إعطاء المحافظين المتشددين فرصة الزعم بتحقيق مكاسب عجز عنها التيار الإصلاحي.
وسواء تحقق هذا السيناريو أو ذاك، فإن الملف النووي الإيراني بيد المرشد الأعلى، وهناك توافق بين التيارين على أهمية العودة لهذا الاتفاق ورفع العقوبات، التي تضر بالاقتصاد الإيراني.. الاختلاف فقط في حجم ونوعية التنازلات التي يمكن تقديمها.
على المستوى الإقليمي، ربما تميل السياسة الإيرانية نحو مزيد من التشدد، خصوصاً فيما يتعلق بدعم الأذرع الموالية لطهران في عدد من دول المنطقة، مع العلم أن هذا الدعم استمر حتى في ظل حكومة "روحاني" الإصلاحية، وربما بوتيرة أكبر، لأن هذا الأمر بيد الحرس الثوري وليس بيد الرئيس.
وعلى المستوى الدولي، من المرجح أن تعزز إيران توجهاتها نحو الشرق، الصين والهند وروسيا، فيما قد تخيّم الشكوك حول علاقاتها مع الدول الغربية، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لإبراهيم رئيسي بارتكاب انتهاكات حقوقية وأعمال قمع بحق الإيرانيين المعارضين في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.
الصورة الإجمالية للسياسة الإيرانية ستبقى كما هي ولن تشهد تغيراتٍ كبيرة، لأن الرئيس ليس له صلاحيات واسعة في صنع السياسة الخارجية، وهو ما سبق أن اشتكى منه "روحاني".
ربما الشيء الأهم هو أننا سنكون إزاء نظام سياسي أكثر اتساقاً في توجهاته المتشددة دون رتوش أو أقنعة تحمل صفة الاعتدال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة