هل تعيد انتخابات العراق إنتاج وجوه الأمس ؟
مع اجترار الوقت والاقتراب من موعد إجراء الانتخابات المبكرة في العراق، يتداخل المشهد وتتعقد فرص القراءة بتخمين حظوظ المتبارين على
329 مقعداً برلمانياً.
وعلى الرغم من أن العراق خاض أربع عمليات اقتراع تشريعية منذ عام 2003، إلا أن الانتخابات النيابية التي ستجري بعد نحو أسبوعين تحظى باهتمام ودعم دولي لم يسبق له مثيل على مستوى التجارب الماضية.
وكان العراق أجرى اخر انتخابات تشريعية عام 2018، هي الأولى بعد اجتياح داعش لأجزاء واسعة من البلاد، ولكنها سجلت نسب مشاركة ضعيفة مقارنة بالانتخابات الأربع الماضية.
ولم تصمد نتائج تلك الانتخابات كثيراً في تحصين كابينة عادل عبد المهدي الذي جاء بالتوافق بين الشركاء حتى أسقط في عامه الأول باحتجاجات واسعة عم غضبها أغلب مدن البلاد.
وأفرزت انتخابات 2018، فوز الكتل السياسية الشيعية مجتمعة بـ177 من مختلف القوائم التي كان أساسها تحالفات سائرون والنصر والفتح ودولة القانون والحكمة وإرادة وكفاءات والحزب المدني ورجال العراق والحزب الشيوعي.
فيما حصدت القوى السياسية السنية 71 مقعداً موزعة على تحالفات النصر والوطنية والقرار وتحالف بغداد ونينوى هويتنا وائتلاف الجماهير وصلاح الدين هويتنا وديالى التحدي وبيارق الخير وتمدن، إضافة إلى "عابرون"
وكان نصيب القوى الكردستانية مجتمعة في نفس الانتخابات 58 مقعدا توزعت بين كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والتغيير والحراك الجديد، فضلا عن التحالف من أجل الديمقراطية.
أما بقية المقاعد توزعت بين المكون التركماني بـ4 نواب وبقية من الأقليات الأخرى في العراق.
ويعول الكثير من المراقبين على الانتخابات التشريعية التي ستجري في الـ10 من أكتوبر المقبل على تغير خارطة المشهد السياسي في فرز معادلات جديدة.
وجرت الانتخابات الأربع الماضية في العراق وفق قانون الدائرة الانتخابية لكل محافظة وباعتماد قانون "سانت ليغو" بتقسيماته العشرية في احتساب الأصوات الفائزة، وهو ما سمح بتكرار الوجوه والكتل الكبيرة بحسب مراقبين.
قانون انتخابي جديد
دفعت الاحتجاجات الشعبية الواسعة في أواخر 2019، البرلمان العراقي إلى تشريع قانون انتخابي جديد يضمن فرص المنافسة لجميع المرشحين، ويقلل من سطوة الكتل الكبيرة على صناديق الاقتراع.
وجاء القانون الجديد الذي أقر في العام الماضي، بتوزيع المحافظة الواحدة إلى دوائر انتخابية بمجموع 83 منطقة انتخابية موزعة في عموم أرجاء البلاد.
فضلاً عن ذلك، اعتمدت المفوضية العليا للانتخابات ولأول مرة معدات لوجستية عالية الدقة من بينها البطاقة البايومترية ذات المواصفة الإلكترونية التي تقلل من نسب التلاعب والتزوير، ووعدت أيضاً بإعلان النتائج الأولية خلال 24 ساعة من انتهاء الاقتراع المباشر.
المحلل السياسي، علي الكاتب، يرى أن "فرص التزوير ومصادرة أصوات الناخبين ستكون محسورة وضئيلة خلال انتخابات أكتوبر جراء التقنية المحصنة التي اعتمدتها المفوضية العليا".
ويضيف الكاتب خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "هنالك إرادة دولية وليس محلية فحسب في تحقيق انتخابات شفافة ونزيهة تمنع من تكرار سيناريو الأمس من خلال حزمة إجراءات فنية ولوجستية متبوعة بدعم وإسناد أممي".
ويتنافس في انتخابات أكتوبر المبكرة، 20 تحالفا بينهم 58 حزباً من مجموع 167، بواقع 3240 مرشحاً.
ويخوض 789 مرشحاً الانتخابات تحت يافطة مستقلين و959 مرشحاً ضمن التحالفات، و1501 مرشحا ضمن قوائم الأحزاب.
ويرى الكاتب، أن "الانتخابات المقبلة لن تحدد شكل ونوع الحكومة المقبلة فحسب وإنما ستقرر مصير استمرار العملية الديمقراطية في العراق"، معززاً قوله "البلاد باتت لا تتحمل وجوه خاطئة في أماكن صحيحة".
من جانبه، يرى المرشح عن قائمة "تقدم"، حيدر الملا، إن "هنالك مساع من بعض الجهات لضرب مصداقية الانتخابات وتشويه نتائجها مسبقاً بهدف تحجيم مشاركة الجمهور المستقل وحصر الأصوات بجماهير حزبية".
ويضيف الملا خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "تلك المحاولات لن تجد ضالتها مهما بلغت كون هنالك وعي وإرادة جماهيرية على تغيير السائد السياسي بإزاحة الفاسدين أو ممن عجزوا عن الإيفاء بعهودهم تجاه المواطنين".
ويلفت الملا، إلى أن "الانتخابات المبكرة شهدت على خلاف الممارسات الخمس الماضية إجراءات وقائية استباقية لتحصين صناديق الاقتراع من التزوير ".
فرص التغيير ونسب المشاركة
على الرغم من التغيرات التي أحدثها قانون الانتخابات الجديد والآليات الحديث المتبعة في طريقة التصويت عند الانتخابات التي ستجري بعد أيام، إلا أن توقع المشاركة وإمكانية إنتاج وجوه جديدة ماتزال في جدال محتدم.
ويتوقع رئيس مجموعة المورد للدراسات والإعلام، نجم القصاب، أن "تسجل انتخابات أكتوبر نسب تغيير طفيفة في نوع وشكل المنظومة السياسية، كون الأحزاب التقليدية ماتزال تملك السطوة والتأثير والنفوذ في كسب الرهان الانتخابي".
ويوضح القصاب، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "فرص الكتل التقليدية قائمة على نسب المشاركة البسيطة التي تعزز من حضور الجمهور الحزبي وتقلل من فرص وصول مرشحين مستقلين وهو ما متوقع خلال تلك الانتخابات"، لافتاً إلى أن "غياب أغلب القوى التشرينيى عن المشهد سيساعد بشكل كبير على إعادة إنتاج ما حصل سابقاً".
وبحسب المعطيات الأولية تحتدم المنافسة على مستوى الكتل السياسية الشيعية السياسية بين كتلة "سائرون"، التي يتزعمها الصدر وقوى دولة القانون التابعة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتحالف "فتح" الذي تنضوي تحته أحزاب وفصائل مسلحة قريبة من إيران.
ويتبارى على مناطق تنافس تلك التحالفات والكتل، ولكن بمستوى أقل ائتلاف قوى الدولة -الذي يضم النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وتحالف الحكمة بزعامة عمار الحكيم.
وتتوزع حدة التنافس عند القوى السنية السياسية بين تحالف "تقدم"، الذي يقوده رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وتحالف "عزم"، بزعامة خميس الخنجر.
رئيس مركز "تفكير"، إحسان الشمري، يرى أنه: "من الممكن أن يكون هنالك هامش من الجديد في تلك الانتخابات ولكن لن تتغير قواعد اللعبة السياسية".
ويؤكد الشمري، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "التدافع الذي يدور ما بين البيوتات الثلاث: السني والشيعي والكردي، ينحصر في إطار المناصب الثلاث وهو ما ينذر باستمرار العنف السياسي على أساس المكونات".
ويحذر الشمري، من استنساخ المعادلات السابقة بتكرار الاسماء والشخصيات من ذهاب العراق إلى "الجحيم السياسي".
إلا أنه في المقابل يتوع المحلل السياسي ، إحسان عبدالله، أن يكون "هنالك دماء جديدة ستجري في عروق المشهد السياسي ما بعد انتخابات 2021، ستكون بمثابة بنى التأسيس لمفاهيم وطنية خالصة في قيادة مقدرات البلاد".
ويعزز قوله "نحن أمام بناءات سياسية خاطئة تجذرت وبات من الصعب هدمها من أول ضربة لذا فإن التغير سيكون عبر مراحل وستكون الانتخابات المقبلة أول ذلك المشوار".