هل يذهب أردوغان إلى انتخابات مبكرة؟
يتعرض الحزب الحاكم في تركيا لتآكل في رصيده التقليدي منذ الانتخابات التشريعية في ٢٠١٥، ما يعزز فرضية إجراء انتخابات مبكرة
وسط تصاعد حالة الاستقطاب السياسي والانشقاقات داخل الحزب الحاكم إضافة إلى تراجع الاقتصاد التركي الذي انعكس سلبا على سعر الليرة ومعدل التضخم، قد يذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في غضون عام بدلا من 2023.
وتعزز حالة القلق من تفاقم الأوضاع في الداخل، خاصة تضييق المجال العام وتقييد الساحة السياسية جنباً إلى جنب مع ضعف المناعة الإقليمية والدولية لتركيا في الخارج، من فرضية إجراء انتخابات مبكرة.
ويتعرض الحزب الحاكم في تركيا لتآكل في رصيده التقليدي منذ الانتخابات التشريعية في 2015، وجاء هذا التراجع أكثر وضوحاً في الانتخابات البلدية التي أجريت نهاية مارس/آذار الماضي، ولم يجد الرئيس أردوغان في تبرير ضعفه وحزبه سوى نظرية المؤامرة، باعتبارها علاجاً وقتياً أو مبرراً أمام قطاعات شعبية سئمت وعوده، والانجراف وراءه ووراء الحلم العثماني .
محفزات ودوافع
يزداد يوماً بعد يوم الوضع المأزوم للاقتصاد التركي، خاصة مع اتساع عجز الميزان التجاري، وفشل الإجراءات الحكومية في تجاوزها، وهو ما ترتب عليه تراجع قيمة العملة الوطنية (الليرة) التي خسرت 30% من قيمتها مقارنة بالدولار خلال عام 2018، وارتبط ذلك بهجرة رؤوس الأموال الأجنبية من السوق المالي التركي، بنسبة تصل إلى 40% بين بعض فئات المستثمرين الأجانب.
وأدى سوء إدارة الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع حيازات الأتراك من العملات الأجنبية وبلوغها مستوى قياسياً، ناهيك بارتفاع الدين الخارجي، وقد ذكرت وكالة "فيتش" أن الاقتصاد يحتاج ما يقارب 230 مليار دولار من أجل التخلص من أزمة تضخم الدين الخارجي الخاصة به، سواء تعلق الأمر بالديون المستحقة بالفعل أو الديون الآجلة.
كما يشهد حزب العدالة والتنمية الحاكم أزمة حادة على خلفية استقالة عدد كبير من قيادته التاريخية وأعضائه. وتأتي هذه الانشقاقات التي انعكست سلباً على الحزب بالتزامن مع مرور 18 عاماً على تأسيسه في عام 2001.
وتتصاعد مخاوف أردوغان من توجه بعض الأطراف إلى تأسيس أحزاب سياسية جديدة، خاصة أحمد داود أوغلو وعلي باباجان وعبدالله غول، وهو ما دفع الحزب الحاكم أكثر من مرة إلى قطع الطريق على ظهور حركات جديدة من قبل المنشقين، وفي هذا الصدد تم تأسيس كيانات ديكورية لتسكين قيادات العدالة والتنمية فيها بحوافز مالية كبيرة، منها اللجنة الاستشارية العليا لرئاسة الجمهورية .
لذلك، فإن خيار الانتخابات المبكرة عام 2021 سيكون مطروحاً على الطاولة للحيلولة دون انزلاق الأصوات للأحزاب الجديدة، والتي تجد بيئة حاضنة لها، في ظل تراجع زخم المسيرات والكتابة على الجدران الداعمة للحزب الحاكم في الداخل، بسبب ممارسات الرئيس أردوغان السلطوية، وتوجهه نحو تفصيل المشهد على مقاس طموحاته السياسية، وكان بارزاً هنا وصفه للقيادات التي اتجهت إلى تأسيس أحزاب جديدة بالخونة والمارقين، وتوعدهم بدفع ثمن باهظ.
وترى الحركات المنشقة عن "العدالة والتنمية" أن أردوغان انزلق إلى متاهات الاصطفاف السياسي، فضلاً عن اعتماده على شركاء متشددين، مثل حزب الحركة القومية. كما أصبح الحزب أكثر تراجعاً بعد تبنيه لغة سياسية مفرّقة وليست موحِّدة، حيث يصر "العدالة والتنمية" على تجاهل دعوات الإصلاح للملفات الشائكة في الداخل التركي لمصلحة الانحياز إلى المنطق الأمني في حسم القضايا العالقة، ومواجهة الخصوم.
وتعرض الحزب الحاكم لتآكل لا تخطئه عين في الرصيد التقليدي لقواعده الانتخابية، وتجلى ذلك في تحول بعض ناخبي حزب العدالة والتنمية لمصلحة حزب الشعب الجمهوري العلماني عشية التصويت على اختيار رئيس بلدية إسطنبول في جولة الإعادة التي جرت في يونيو الماضي.
في هذا السياق العام، تمثل نتائج البلديات محفزاً رئيسياً للرئيس أردوغان للذهاب إلى انتخابات مبكرة، خصوصاً أن خسارة المدن الكبرى ستشكل مزيداً من التشققات في حزبه، وتعطي تصوراً بأن سلطاته تتناقص. ويفسر البعض خسارة البلديات الكبرى بأنها بداية النهاية لأردوغان، الذي سبق أن قال في عام 2017، إنه "إذا فقدنا إسطنبول فستكون بمثابة خسارة تركيا".
تقدم المعارضة
وفرت الممارسات السلطوية للرئيس أردوغان فرصة مواتية لصعود حضور المعارضة في الشارع التركي، وظهر ذلك منذ انتخابات يونيو/حزيران 2015، حيث نجحت المعارضة في تعزيز حضورها في الشارع التركي، وتصاعد هذا الحضور في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في أبريل/نيسان 2017، والانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران 2018، وصولاً إلى اقتراع البلديات في مارس/آذار الماضي، حيث تراجعت نسب التصويت التي طالما اعتاد عليها "العدالة والتنمية"، ليفوز بالكاد في كل هذه الاستحقاقات بنسبة 50.5%.
ولعل الفارق الضئيل بين الأصوات المعارضة والمؤيدة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية الأخيرة كشفت النقاب عن تراجع مكانة حزب "العدالة والتنمية".
في سياق متصل، تمكنت المعارضة من تحقيق نجاحات سياسية معتبرة طوال السنوات التي خلت، منها خلق مساحة مشتركة للتحايل على اختلافاتها السياسية، وبدا ذلك في توافقها على الهوية القومية، وترسيخ حزب الشعوب الديمقراطي لمفهوم المواطنة. كما أفرزت وجوه شابة تتمتع بكاريزما وحضور جاذب، مثل صلاح الدين دميرطاش النائب الكردي، وأكرم إمام أوغلو.
خيارات ضيقة
حالة التخبط التي يعيشها حزب العدالة والتنمية، وتنامي انشقاقات أعضائه، إضافة إلى فشل محاولات أردوغان ضد مساعي داود أوغلو وباباجان الرامية لتأسيس كيانات حزبية جديدة، تضع الحزب الحاكم أمام خيارات ضيقة، يمكن بيانها على النحو الآتي:
- إجراء انتخابات مبكرة:
قد يتوجه الرئيس أردوغان بتبكير إجراء الانتخابات، من أجل ضمان الاحتفاظ بمنصبه، قبل تراجع أكثر لشعبيته مع تدهور سعر الليرة واستنزاف الأموال بعمليات عسكرية تتسع في سوريا، وسط أجواء من تضييق المجال العام، ودخول المناخ مرحلة الشحن مع الأكراد جنوب شرقي تركيا، والإصرار على عسكرة الأزمة مع حزب العمال الكردستاني، وهو ما ظهر في عزل الفائزين بالبلديات الكردية في الانتخابات المحلية الأخيرة، ناهيك بفصل عدد واسع من الموظفين الأكراد العاملين في الأجهزة البلدية ومختلف مؤسسات الدولة.
كما يسعى أردوغان عبر هذه الانتخابات إلى تفويت الفرصة على الأحزاب الأخرى التي أصبحت لديها عناصر تتمتع بشعبية كبيرة، والوقت المتبقي لإجراء الانتخابات نحو ثلاث سنوات، وهذا كافٍ للأحزاب لزيادة زخم مرشحيها الجدد لمنافسة أردوغان الذي فقد جانبا معتبرا من شعبيته. كما يبقى هذا الخيار محتملاً، خصوصاً أن ما يقرب من 80 نائباً من حزب العدالة والتنمية يستعدون للالتحاق بالكيانات الحزبية الجديدة، وهو ما يعني أن الحزب الحاكم سيفقد الأغلبية في البرلمان المؤلف من 600 عضو ليصبح عدد أعضائه نحو 211 عضواً فقط.
- تغيير حكومي:
إجراء تعديل على الحكومة هو الخيار الثاني المتاح لدى أردوغان من أجل تحسين الوضع، وتسكين أوجاع القواعد الانتخابية للحزب التي سئمت سياسات الحكومة، وبخاصة بيرات ألبيراق صهر الرئيس ووزير المالية، الذي يضعه قطاع واسع من أعضاء وقيادات الحزب الحاكم على رأس أول الراحلين عن الحكومة، بسبب أدائه الباهت، ومسؤوليته عن الأزمة الراهنة لضعف خبرته، وفشل إجراءاته طوال العام ونصف العام الماضي في تحقيق الأهداف المتعلقة بإنقاذ العملة المحلية، وقدرتها على محاصرة المشكلات الآنية وطويلة الأمد التي تواجه الاقتصاد التركي بشكل عام.
ختاماً يمكن القول إن فرص التوجه نحو إجراء انتخابات مبكرة تبقى مرشحة، لا سيما أن الرئيس التركي في حواره مع رويترز في 13 سبتمبر/أيلول الجاري، قال إنّه لا معنى لمناقشة التعديلات الوزارية بتركيا وسط استقرار الوضع في الوقت الراهن. وأضاف: "لا معنى لمناقشة موضوع الكادر الوزاري في ظل عدم وجود أي مشاكل في الوقت الراهن؛ لأن الزملاء المعنيين (الوزراء) يبذلون ما في وسعهم سواء في الاقتصاد أو المجالات الأخرى" .