انتخابات في زمن الحرب..هل ستأكل أوكرانيا "البطاطا الساخنة"؟
قد يبدو الأمر وكأنه إلهاءٌ في ذروة قتال تتطاير فيه الصواريخ في كل مكان، حين تفكر دولة بانتخابات في زمن الحرب، لتجد نفسها أمام "بطاطا سياسية ساخنة"
هذا حال أوكرانيا هذه الأيام, حيث تجد نفسها أمام مسألة مثيرة للجدل وحساسة للغاية لدرجة أن التعامل معها محفوف بالمخاطر، وهو ما يطلق عليه في السياسة "البطاطا الساخنة".
فعلى الرغم من الحرب المستمرة منذ فبراير/شباط 2022، وحالة الأحكام العرفية على مستوى البلاد، فإن بعض الساسة الغربيين يضغطون على الحكومة في كييف لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وهو الاحتمال الذي جعل العديد من المسؤولين الأوكرانيين في حيرة من أمرهم.
رغبة الغرب ومخاوف كييف
تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن الضغط من أجل إجراء الانتخابات، على الرغم من هذه العقبات، يسلط الضوء على الطلب المستمر من جانب البعض في الغرب بأن تثبت أوكرانيا التزامها بالديمقراطية،
لكن المسؤولين الأوكرانيين يرون أنه من أجل إجراء تصويت كبير خلال فترة الحرب، يجب التغلب على عقبات مالية ولوجستية وقانونية كبيرة.
وفي السر، يقول البعض إن هذا الاحتمال مستحيل تماما، ويمكن أن يوفر لقوات الأمن الروسية وسيلة للتسلل إلى أوكرانيا وإضعافها من الداخل.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤول أوكراني في الأجهزة الأمنية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: "الروس يدفعون من أجل ذلك عبر قنواتهم السرية". "لا يوجد وضع يمكن فيه إجراء انتخابات ديمقراطية خلال الحرب".
وأوضح المسؤول أن إجراء الانتخابات "قد يمنح روسيا فرصة للتلاعب وخلق انقسامات في المجتمع الأوكراني وبين السياسيين".
مضيفا "إنه أمر محفوف بالمخاطر وسيئ للبلاد ولا معنى له من وجهة نظر سياسية"، "كما من شأنه أن يقوض المرونة السياسية الهشة للغاية للجمهورية الأوكرانية".
ومع احتدام المناقشات حول ما إذا كان ينبغي لأوكرانيا أن تجري انتخابات في زمن الحرب، بدأت مجموعة مختارة من المسؤولين الأوكرانيين، ونشطاء المجتمع المدني، وأعضاء البرلمان، وممثلي قطاع الأعمال بالفعل في التفكير في التصويت التالي في البلاد.
وفي هذا الصدد، قالت أولها إيفازوفسكا، رئيسة مجلس إدارة منظمة أوبورا غير الحكومية لمراقبة الانتخابات الأوكرانية لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، "إنها مناقشات كثيرة، نحاول إيجاد الحلول وتقديم التوصيات".
ولفتت إيفازوفسكا وبرلماني آخر معني بالانتخابات، إلى أن هذه الاعتبارات المبكرة تركز على انتخابات ما بعد الحرب.
لكن الاثنين أكدا أنه لا توجد خطط الآن لإجراء انتخابات وسط الأعمال العدائية النشطة.
ويمنع قانون الأحكام العرفية الذي أُعلن في أوكرانيا، في الساعات الأولى من العملية العسكرية الروسية، السلطات من إجراء انتخابات، في حين أن مشروع موازنة الدولة لعام 2024 الذي وافقت عليه الحكومة في سبتمبر/أيلول لا يخصص أية أموال للانتخابات.
في وقت السلم، كان المشهد السياسي في أوكرانيا منشغلا بالحملات الانتخابية للانتخابات البرلمانية، التي كان من المقرر إجراؤها في البداية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في حين كان من المقرر إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة في مارس/آذار 2024.
وفي مواجهة دعوات الغرب حول أهمية الاقتراع وحتى في زمن الحرب، كان المسؤولون الأوكرانيون يسيرون على خط رفيع، في محاولة لطمأنة الشركاء الغربيين إلى رغبتهم في إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، مع التأكيد على أن انعقادها "في أقرب وقت ممكن" قد يكون أمرا بعيد المنال.
وبعد زيارة قام بها إلى كييف في 23 أغسطس/آب الماضي، قال السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام للصحفيين، إنه حث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على إجراء انتخابات العام المقبل.
وقال جراهام: “أريد أن أرى هذا البلد يحظى بانتخابات حرة ونزيهة حتى وهو يتعرض للهجوم”.
زيلينسكي مستعد..ولكن!
أما زيلينسكي، فخاطب حشدا من المسؤولين الغربيين والأوكرانيين ونشطاء المجتمع المدني ورجال الأعمال وغيرهم الذين تجمعوا في منتدى يالطا للاستراتيجية الأوروبية في كييف، يوم 8 سبتمبر/أيلول الماضي، وأخبرهم: "أنا مستعد للانتخابات".
وقال"أعني أننا مستعدون إذا لزم الأمر"، قبل أن يتطرق إلى قائمة التحديات التي من شأنها أن تجعل مثل هذه الانتخابات صعبة بشكل خاص: كيفية تمكين الجنود من التصويت والسماح للمراقبين الدوليين بالتواجد في الخطوط الأمامية، وكيفية تنظيم الانتخابات في البلدان التي يعيش فيها ملايين الأوكرانيين الآن كلاجئين.
مضيفا "أو ما يجب القيام به مع الأوكرانيين" الذين يعيشون في الأراضي الخاضعة لروسيا.
من جهته، تحدث رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، في تصريحات صحفية عن "أسئلة كثيرة لم يجب عليها أحد اليوم، وبصراحة لم يعمل عليها أحد لأن لدينا أولوية مختلفة – نحن بحاجة إلى تحرير أرضنا ثم الحديث عن الانتخابات”.
ومن مبنى خرساني مكون من عشرة طوابق يعود إلى الحقبة السوفييتية، أطلقت لجنة الانتخابات المركزية في أوكرانيا ثلاث مجموعات عمل، في أوائل مارس/آذار الماضي، لمعالجة موضوع انتخابات ما بعد الحرب.
وتتألف كل مجموعة من حوالي 40 مسؤولا في اللجنة الانتخابية، وممثلي المجتمع المدني، ونواب البرلمان، ومسؤولين من الوزارات الأخرى، والشركات الخاصة.
وتتعامل هذه المجموعات مع تحد محدد من المرجح أن تواجهه أوكرانيا في أول انتخابات لها بعد الحرب.
وتشمل هذه إجراء الانتخابات في الخارج؛ تحديث السجل الانتخابي الوطني؛ والتعامل مع التحديات التنظيمية للانتخابات الأولى بعد الحرب.
وقال سيرهي بوستيفي، عضو مجموعة عمل تركز على تنظيم الانتخابات في الخارج للمجلة الأمريكية: "نحن ندرك تمام الإدراك أن تنظيم انتخابات في نهاية الحرب، بعد انتصارنا، سيكون تحدياً كبيراً".
وتابع في تصريحات طالعتها "العين الإخبارية" في فورين بوليسي: "لقد نظرنا إلى تجارب الدول الأخرى، ومن المستحيل تقريبا العثور على دولة ذات وضع أكثر تعقيدا. … لقد تحدثنا عن انتخابات ما بعد الحرب مع زملائنا من لجنة الانتخابات في البوسنة والهرسك على سبيل المثال، وهي مجرد مقياس مختلف تماما".
ولفت بوستيفي إلى أن التحديات الصغيرة والكبيرة، متعددة الأوجه وأحيانا غير متوقعة، مشيرا إلى أن إجراء الانتخابات في الدول الأوروبية، حيث يعيش، وفقا للأمم المتحدة، ما يقرب من 6 ملايين لاجئ أوكراني منذ بداية الحرب، سيتطلب اتفاقيات ثنائية معقدة من أجل فتح مئات من مراكز الاقتراع في جميع أنحاء القارة.
ووفقا لوثيقة لجنة الانتخابات المركزية التي اطلعت عليها مجلة فورين بوليسي، قفز عدد الناخبين الأوكرانيين في فرنسا من 3705 قبل الحرب إلى 97575 اليوم، مع تخطيط 70% منهم للمشاركة في الانتخابات المقبلة.
وكان لدى أوكرانيا، قبل الحرب، مركز اقتراع واحد فقط في سفارتها بباريس، حيث يسمح التشريع الحالي بإنشاء مراكز اقتراع فقط في المباني الدبلوماسية الأوكرانية.
ومن شأن إجراء الانتخابات خارج المجمعات الدبلوماسية أن يثير جدلا، حيث سيتعين على الدولة الأجنبية أن تتحمل بعض المسؤولية في العملية الانتخابية.
في المقابل، تحظى معارضة فكرة إجراء انتخابات في المستقبل القريب بدعم واسع النطاق في أوساط المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية.
وفي 18 سبتمبر/أيلول، وقعت منظمة أوبورا وأكثر من مائة منظمة غير حكومية أوكرانية أخرى نداءً يعتبر أن إجراء انتخابات خلال "الحرب الشاملة" من شأنه أن "يؤدي إلى فقدان الشرعية لكل من العملية الانتخابية والهيئات المنتخبة" لأن "الدولة لا تستطيع ضمان بيئة يستطيع فيها المشاركون في العملية الانتخابية التعبير عن آرائهم وإرادتهم بحرية وبشكل كامل.
aXA6IDE4Ljk3LjE0LjgwIA== جزيرة ام اند امز