من الاختفاء إلى المنافسة.. رحلة السيارات الكهربائية الصعبة

السيارات الكهربائية ليست اختراعاً حديثاً! فقد سيطرت على شوارع نيويورك منذ القرن العشرين، لكنها اختفت فجأة، لتعود اليوم بقوة. هل نتعلم من دروس الماضي هذه المرة؟
قبل أكثر من قرن من طرح تسلا سياراتها الأولى، كانت سيارتا بيكر إلكتريك كوبيه وريكر إلكتريك رودستر الكهربائيتان تجوبان شوارع أمريكا.
وكانت السيارات التي تعمل بالبطاريات شائعة جدًا لدرجة أن حوالي ثلث سيارات الأجرة في نيويورك كانت كهربائية لفترة من الزمن.
لكن تلك السيارات الكهربائية المبكرة بدأت تفقد شعبيتها أمام فئة جديدة من السيارات، مثل فورد موديل تي، التي كانت أرخص وأسهل في التزود بالوقود باستخدام أنواع الوقود الجديدة القائمة على النفط والتي أصبحت متاحة في جميع أنحاء البلاد.
وبفضل الحوافز الضريبية الفيدرالية في عشرينيات القرن الماضي، ازدهرت صناعة النفط - وكذلك السيارات التي تعمل بالبنزين.
نتيجة لذلك طوى النسيان السيارات الكهربائية المبكرة، إلى حد كبير، واختفت جميع السيارات الكهربائية المبكرة تقريبًا تمامًا لدرجة أن معظم الناس على قيد الحياة اليوم لم يروا واحدة منها قط - والكثيرون لا يعرفون حتى بوجودها.
وتوجد بعض النماذج في المتاحف والمجموعات الخاصة بعشاق جمع المركبات النادرة، بما في ذلك سيارة بيكر إلكتريك مُرممة بالكامل يحتفظ بها المذيع الأمريكي الشهير "جاي لينو" في مرآبه الفسيح في كاليفورنيا.
- قفزة هائلة في إيرادات شاومي.. 47% زيادة مع إطلاق السيارة الكهربائية الجديدة
- «الطاقة الدولية»: السيارات الكهربائية تلتهم ربع السوق العالمي في 2025
وتتميز سيارة "لينو" الكهربائية القديمة بهيكل خشبي وعجلات مطاطية مقاس 36 بوصة.
وتبدو كعربة تجرها الخيول، لكنها تعمل بمحركات وبطاريات كهربائية تمامًا مثل سيارات تسلا موديل Y أو كاديلاك ليريك الحالية.
وأثارت السيارة ابتسامات ودهشة الناس في شوارع بوربانك، كاليفورنيا، عندما قادها لينو في المدينة مؤخرًا.
هل يعيد التاريخ نفسه ؟
وقد يكون لهذه السيارة دلالة جديدة الآن، لأن الولايات المتحدة قد تكون على وشك تكرار التاريخ، باندثار السيارات الكهربائية من جديد في أسواقها.
ووفق نيويورك تايمز، يخيم على صناعة السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة غيمة تشاؤم، حيث تعمل إدارة ترامب والجمهوريون في الكونغرس على تقويض نمو السيارات الكهربائية، وفرض ضريبة جديدة عليها، وتغيير السياسة الفيدرالية بشكل حاد لصالح النفط والبنزين.
ويرى الباحثون الذين درسوا العصر المبكر للسيارات الكهربائية أوجه تشابه بين زوالها في العقود الأولى من القرن العشرين والهجمات التي تواجهها الآن.
وفي كلا العصرين، كافحت السيارات الكهربائية لكسب القبول في السوق، وقوضتها السياسة، وكان من أبرز عيوبها ضرورة شحنها، واعتُبرت في النهاية أقل ملاءمة من المركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي.
وقال الرئيس ترامب ساخرا، في تجمع انتخابي بولاية أيوا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، "السيارات الكهربائية جيدة إذا كانت لديك شركة سحب سيارات معطلة على الطريق تنجدك دائما عند نفاد البطاريات".
وفي ظهور آخر في الشهر التالي، قال، "لا يمكنك مغادرة نيو هامبشاير بسيارة كهربائية".
وكان الشحن والحصول على الوقود أيضًا مصدر قلق قبل قرن من الزمان.
وأراد الأمريكيون في عشرينيات القرن الماضي استكشاف البلاد، لكن العديد من المناطق الريفية والضواحي لم تكن بها كهرباء لشحن السيارات الكهربائية المبكرة.
وبذل الرئيس فرانكلين د. روزفلت جهدًا كبيرًا لتزويد البلاد بأكملها بالكهرباء في عام 1936 - حيث تم توصيل آخر المزارع التي كانت تفتقد للكهرباء بالشبكة في أوائل السبعينيات.
وهذا جعل من الصعب استخدام السيارات الكهربائية في العديد من الأماكن.
شواهد على تشابه الأحداث عبر التاريخ
ويقول قادة الجمهوريين إن السيارات الكهربائية لا تستحق الدعم في قانون الضرائب الجديد، وأن مشروع قانونهم الضريبي يُعادل المنافسة التي كان الديمقراطيون يميلون بها لصالح تقنية واحدة.
وقبل مئة عام، عارض المشرعون أيضًا هذا الأمر بشدة، واختاروا النفط.
وتمتّعت صناعة النفط بالعديد من الإعفاءات الضريبية في الماضي، حيث سُنّ أحدها عام 1926 عندما سمح الكونغرس لشركات النفط بخصم 27.5% من دخلها الخاضع للضريبة من مبيعاتها.
واعترف الكونغرس لاحقًا بأن الحافز كان مُفرطًا.
ونُقل عن السيناتور توم كونالي، الديمقراطي من تكساس الذي رعى الإعفاء الضريبي، قوله في كتاب سيرة ليندون جونسون بعنوان "فتى سام جونسون: صورة مُقرّبة للرئيس من تكساس"، "حصلنا على 27.5% لأننا كنا نستخفّ بالضرائب، وأكثر".
واستمرّ هذا الإعفاء الضريبي لعقود، حتى تم إلغاؤه بالنسبة لكبار منتجي النفط وخُفِّض بالنسبة للشركات الصغيرة عام 1975.
ولعلّ من غير المُستغرب أن يصبح النفط الخام هو المُسيطر، فقد أشارت وزارة الطاقة في جدول زمني على موقعها الإلكتروني إلى أن السيارات الكهربائية "كادت أن تختفي بحلول عام 1935".
وأتاح انتصار محركات الاحتراق الداخلي السفر لمسافات طويلة للجماهير، وساهم في دعم الاقتصاد الأمريكي، كما أدى إلى تلوث هواء المدن المُميت، وكان سببًا رئيسيًا لتغير المناخ.
والآن، يتصاعد الصراع المُستمر منذ عقود بين محركات الاحتراق الداخلي والسيارات الكهربائية، وقد تواجه السيارات الكهربائية مشكلة، على الأقل في الولايات المتحدة.
وتشهد مبيعات السيارات الكهربائية نموًا سريعًا في معظم أنحاء العالم، حيث ارتفعت بنسبة 35% في الصين خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام، وبنسبة 25% في أوروبا، وفقًا لشركة الأبحاث "رو موشن".
لكن في الولايات المتحدة، ارتفعت المبيعات بنسبة أقل بلغت 11% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، وفقًا لـ"كيلي بلو بوك".
ويدفع قادة الحزب الجمهوري بمشروع قانون من شأنه إلغاء العديد من برامج إدارة بايدن الهادفة إلى تعزيز مبيعات السيارات الكهربائية، بما في ذلك إعفاء ضريبي فيدرالي بقيمة 7500 دولار.
كما يريدون فرض رسوم سنوية جديدة قدرها 250 دولارًا على مالكي السيارات الكهربائية لتمويل بناء وصيانة الطرق السريعة.
وفي حين أن التعديلات الجمهورية لن تقضي على السيارات الكهربائية على الأرجح، إلا أنها قد تُعيد الصناعة سنوات إلى الوراء.
وفي مذكرة صدرت هذا الشهر، قال محللون في شركة بيرنشتاين، "لقد تباطأ زخم السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن السياسات".