الكهرباء في لبنان.. أزمة مستمرة ولا حلول في الأفق
تعتبر أزمة الكهرباء المزمنة في لبنان معضلة مركبة من مزيج فساد وهدر ومنافسة سياسية وخلل ديموجرافي وأخيرا انهيار أمني.
يشبه قطاع الكهرباء في لبنان القطاعات الحيوية كافة، التي تديرها الدولة اللبنانية، والتي أصابها الترهل ونخرها الفساد.
لكن هذا القطاع يتميز عن باقي القطاعات بكلفته الهائلة، وخسائره الكبيرة التي بلغت أرقاماً قياسية بالنسبة لبلد صغير، حيث تجاوز الـ43 مليار دولار، وكان من أبرز الأسباب في أزماته الاقتصادية الحالية، وهذا كله من دون أي حلول جذرية أو مستدامة، ما يهدد هذا البلد بالظلمة الشاملة في أي وقت.
- لبنان يقرّ قانون استرداد الأموال المنهوبة.. ونائب: "الأهم التنفيذ"
- لبنان يفلت من "العتمة" بأعجوبة.. 200 مليون دولار قرضا للكهرباء
ومع الانهيار الاقتصادي في البلد الصغير أصبح أي حلّ يبحث فيه أو تحث الدول عليه صعب التنفيذ بسبب انهيار العملة المحلية ونفاد احتياطي العملات الصعبة، ما يجعل هذه الأزمة مستعصية وتؤثر على حياة جميع اللبنانيين نظراً لارتباط القطاع الحيوي بكل ما يختص بجوانب الحياة العادية.
نقص مزمن
يشهد قطاع الكهرباء في لبنان نقصاً مزمناً في التغذية الكهربائية ويعتمد على الدعم الحكومي ويتكبّد خسائر فنية غير فنية تتراوح نسبتها التقديرية بين 36 و40%، بحسب الدراسات التي صدرت عن وزارة الطاقة اللبنانية ومؤسسة كهرباء لبنان.
ويعتمد لبنان لتوليد الطاقة الكهربائية على محطات حرارية بكفاءة متدنية تستخدم النفط الثقيل والديزل المستوردَين والمكلفَين والملوِّثَين، كما أنّ التغذية الكهربائية ليست كافية، فذروة الطلب تصل تقديرياً إلى 3500 ميجاوات، ما يؤدي إلى نقص في التغذية بمقدار 1600 ميجاوات.
بالإضافة إلى ذلك فإن محطات الكهرباء قديمة وغير كفؤة وقد تم بناء المحطة الأخيرة في العام 1999، وبما أنّ نقص التغذية الكهربائية استمرّ لحوالي ثلاثة عقود واضطرّ المواطنون إلى استخدام المولدّات الخاصة بكلفة مرتفعة تبلغ 0.30 دولار تقريباً لكلّ كيلووات في الساعة، وجدت الحكومات المتعاقبة نفسها عاجزةً عن رفع تعرفة الكهرباء التي ظلت مدعومة من الحكومة منذ العام 1994.
ولم تعمل هذه الحكومات على خطة مستدامة بسبب الحلافات السياسية والتهافت على الاستفادة المادية والآنية بل لجأت الى الى خطوات موضعية وسريعة زادت من تعميق ترهل القطاع ومنها استئجار بواخر توليد كهرباء من تركيا لزيادة التغطية بكلفة مرتفعة من دون انشاء معامل حديثة.
كما أن الوضع الأمني والمحميات السياسية والفساد يؤثران بشكل مباشر وبشكل كبير على هذا القطاع الذي يشهد تعدياً على شبكة الكهرباء وعدم الفوترة وعدم الجباية في المناطق المحمية من "حزب الله" إضافة إلى التكلفة المرتفعة بسبب كمية المحروقات حيث يساهم استخدام المحروقات والمحطات القديمة وغير الفعالة في زيادة استرداد التكلفة.
السياسة والطائفية
أقر لبنان منذ أعوام عديدة إنشاء هيئة ناظمة موثوقة تتمتع بالاستقلالية في اتّخاذ القرارات وبالقدرة على تخطّي الأجندات السياسية لإدارة هذا القطاع، ولكن الخلافات السياسية عصفت بها أيضاً وتدخلت السياسة من جديد من أجل تقليص صلاحياتها لصالح الوزير، ولم تبصر النور حتى اللحظة.
وفي الخطة التي أقرها مجلس الوزراء عام 2019 اختلفت القوى السياسية على مواقع المعامل الكهربائية، حيث أكد تقرير للبنك الدولي وكهرباء فرنسا أن محطتين كهربائيتين كافيتين لمد لبنان بالكهرباء (الزهراني في الجنوب (شيعة) ودير عمار في الشمال (سنة). إلاّ أن فريق رئيس الجمهورية أصر على محطة في منطقة سلعاتا الشمالية ذات الأغلبية المسيحية، ما أوقف عملية المناقصات وأخر البدء في المعامل وقبل أن يأتي انهيار الليرة ويقضي تقريباً على أمل بالإصلاح.
بحسب المستشارة في السياسات الخاصة بالطاقة لدى الحكومات والمنظمات الدولية جيسيكا عبيد، "بما أنّ لبنان امتنع مؤخراً عن تسديد ديونه وطلب رسمياً مساعدة صندوق النقد الدوليّ، لا بدّ من إدخال إصلاحات على قطاع الكهرباء، لكن توجد خمسة مخاطر رئيسية.
وأول هذه المخاطر بحسب جيسيكا، هي سعي القادة اللبنانيون إلى تحقيق نتائج سريعة عوضاً عن نتائح مستدامة بسبب الوضع الطارئ والملحّ ونفاد الخيارات والاحتياطيات من العملات الأجنبية.
ثانياً: من المستبعد أن يؤيّد المواطنون الخطط الحكومية المتعلقة بقطاع الكهرباء في ظلّ غياب الشفافية والمساءلة، خصوصاً بعد عقود من الفساد.
ثالثاً: من غير المرجّح أن يوظّف القطاع الخاص والمستثمرون رؤوس الأموال بسبب الأزمة المالية الحالية.
رابعاً: إن التراجع المستمر في قيمة العملة والبطالة المتزايدة يجعلان من الصعب على الحكومة والمواطنين دفع أي فواتير كبيرة.
خامسا: سيتم توقيع جميع عقود قطاع الكهرباء بالدولار الأميركي بينما التحصيل بالليرة اللبنانية المستمرة بالانهيار، مما سيبقي الدعم على القطاع حتى مع زيادة التعريفات، وهذا من الصعب جداً تخطيه في الوقت الحاضر.
تلاشي الحلول
ووفق ما تقدم يبدو أن جميع الحلول التي كانت مطروحة قد تلاشت، وعاد لبنان إلى سياسة الترقيع عبر تمديد مهل الظلمة الشاملة عبر استعمال احتياطي المصرف المركزي المتهالك أي استهلاك المودعين التي لازالت بالعملة الأجنبية.
حيث وافق مجلس النواب على سلفة بقيمة 200 مليون دولار أمريكي لاستيراد الفيول لمعامل الكهرباء للاستمرار بالتغذية الكهربائية التي بلغت حدها الأدنى وأصبحت تغطي ساعتين من أصل 24 ساعة، مبرراً ذلك بأنه وضع أمام خيارين أما الظلمة، أو السلفة، وهم لا يستطيعون التوقيع على الظلمة.
ويعترف أمين سر تكتل "لبنان القوي" التابع لرئيس الجمهورية المؤيد للسلفة النائب إبراهيم كنعان لـ"العين الاخبارية" بأن الناس كانوا أمام خيارين إما السلفة أو العتمة، لكنه حمّل جميع القوى السياسية هذا الواقع، مشيراً إلى أن السياسات المتبعة منذ عام 1993 في هذا القطاع اوصلتنا إلى هنا.
ويشدد كنعان على ضرورة تشكيل حكومة جديدة للبدء مباشرة بالقيام بإصلاحات وتشكيل هيئة ناظمة لإدارته من أجل خلق حلول مستدامة، لافتاً إلى أنه في الوقت الحاضر لا حلول سوى بالدفع لشراء الفيول لأن لا أحد في لبنان يستطيع تحمل تبعات الظلمة الشاملة".
وعن تأمين المبلغ، يقول كنعان أنه يمكن تأمينة من احتياطي المصرف المركزي لكن يجب أن يترافق مع خطة سريعة لوقف الدعم الذي أثبت عدم فعاليته ولم يستفد منه الشعب.. موضحاً أن الدفع سيتم بالدولار الموجود في المصرف المركزي بغض النظر عن سعر الصرف الذي لازال رسمياً على 1500 ليرة لبنانية.
في المقابل، يرفض الحزب التقدمي الاشتراكي النائب بلال عبدالله الموافقة على السلفة، لأنها تبديد لودائع الناس بطريقة غير مدروسة.
ويعترف في حديثه لـ"العين اإاخبارية" أن لا حلّ حالياً سوى بهذه السلفة، لكنة في الوقت عينه يؤيد فكرة الظلمة الشاملة التي ربما تكون حافزاً للجميع للعمل الجديد والسريع والمتواصل لإيجاد حل مستدام لهذه المشكلة المستعصية".
ويختتم قائلا: "فلتكن الظلمة ربما يأتي بعدها نور".