كلما حاولت الدول الراغبة في تأمين استقرار وهدوء إقليمي بالشرق الأوسط، عبر حل أو تهدئة الأزمات المشتعلة في المنطقة، يخرج بعض المتطرفين والمتهورين في الحكومة الإسرائيلية فيزيدون الوضع سوءاً.
فبينما تبذل العديد من الدول العربية، على رأسها دولة الإمارات ومصر والأردن، جهداً لتقديم مساعدات إغاثية لأهل غزة، وتهيئة الأجواء لهدنة أو تسوية سياسية ولو مؤقتة خلال شهر رمضان الكريم الذي سيحل بعد أيام؛ وذلك كجزء من جهود عامة ومستمرة لإطفاء الحرائق المنتشرة في المنطقة وتجاوز الأزمات التي تعصف بها، يخرج علينا بعض المسؤولين الإسرائيليين يُفترض فيهم الرشادة والمسؤولية، يتسببون باندفاعهم وتطرفهم في تأجيج التوترات وتعقيد أزمات معقدة أصلاً.
فقد عاود وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو تصريحاته المتهورة بشأن الفلسطينيين، في وقت شديد الحساسية لجهة إنهاء الحرب في غزة وإيجاد صيغة مقبولة لوقف إطلاق النار، قبل حلول شهر رمضان المبارك. ففي حين يمثل هذا الشهر الكريم قيمة روحية ومناسبة دينية مقدسة لدى المسلمين في المنطقة العربية والعالم، إذا بإلياهو يدعو ببساطة ولا مبالاة إلى إلغاء الشهر. كما لو كان اختراعاً بشرياً قابلا للتعديل والتصحيح بل والمحو!
الجدير بالإشارة في هذا التصريح، ليس فقط أنه غير عقلاني إلى حد يجعله جديراً بالتجاهل وعدم التعليق، بعد أن تجاوز حدود العقل والرأي والرفض، وإنما ما يستحق الانتباه والتحذير منه، أنها ليست المرة الأولى لهذا الشخص في إطلاق تصريحات شاذة لا تليق بإنسان عاقل وليس مسؤولا سياسيا يجب أن يتمتع بالرشادة وحس المسؤولية. فإلياهو هو نفسه الذي قال قبل ثلاثة أشهر إن ضرب غزة بقنبلة نووية "خيار معقول" لإنهاء الأزمة من وجهة نظره.
إن هذه التصريحات غير المسؤولة، لا تقل خطورة وسلبية عن قصف إسرائيل الأسبوع الماضي مئات المدنيين الفلسطينيين وهم بانتظار استلام المساعدات الغذائية. فإذا كان القصف والقتل على الهوية يؤكد النظرة العنصرية من جانب القادة العسكريين لأولئك المدنيين الأبرياء، فإن السياسيين والمسؤولين الإسرائيليين يؤكدون نفس الإدراك بكلماتهم التي تحرّض العسكريين على ممارسة القتل عملياً. وتوفر غطاء سياسياً وتبريراً نفسياً لتلك الوحشية المستمرة منذ خمسة أشهر.
وليست هذه المرة الأولى التي تتلقى فيها القوات الإسرائيلية مُغذيات معنوية تحرض على قتل الفلسطينيين في غزة. فقد كانت هذه المقولات التبريرية حاضرة دائماً في اجتياحات غزة في مرات كثيرة سابقة، فقبل عقود وصف شيمون بيريز غزة بالكابوس، وتمنى آرئيل شارون أن يصحو يوماً فيجد غزة قد غرقت في البحر. وكل ذلك يؤكد أن الكراهية والضغينة تجاه غزة بصفة خاصة، متجذرة في العقل الإسرائيلي وحاضرة بقوة في خطاب المسؤولين العسكريين والسياسيين.
والخطير في هذا النمط من الكراهية، أنه لا يقتصر على المقاتلين التابعين لحركة حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإنما يقصد به كل الفلسطينيين بمن فيهم المدنيون. بل إن عميحاي إلياهو ذهب في تطرفه وعنصريته إلى حد تأكيد أنه "لا يوجد شيء اسمه مدنيون غير متورطين في غزة".
ومضى في تعميم الكراهية والعنصرية بالدعوة إلى "إيجاد طرق أشد إيلاماً للفلسطينيين من الموت". وطالب إلياهو بمنع تمرير أي مساعدات إلى الفلسطينيين.
إن وجود هذه الأفكار المسمومة بين مسؤولين ووزراء يفترض أنهم رجال دولة، يثير الشكوك حول مصداقية حديث إسرائيل المتكرر عن السلام والحرص على الاندماج والتعاون الإيجابي مع البيئة الإقليمية المحيطة بها. وتكرار ذلك الخطاب العنصري التحريضي يثير التساؤل حول أهلية أولئك المسؤولين والسياسيين لقيادة إسرائيل نحو مستقبل آمن. وهو ما يستلزم بالضرورة القبول بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وليس القضاء على القضية وإبادة أصحابها الفلسطينيين.
وللأسف، فإن تبعات تلك التصريحات غير العقلانية والتصرفات غير الرشيدة، لا تقع على صاحبها أو دولته، وإنما على المنطقة كلها. ففي النهاية تتحمل أعباء تصحيح تلك الأخطاء ومعالجة تداعياتها، الحكومات والدول المعنية حقاً بالأمن والسلام والساعية بصدق نحو الاستقرار ومستقبل أفضل لشعوبها وللمنطقة وللعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة