تميل السياسة الخارجية الإماراتية إلى البحث عن أفكار وبدائل وحلول غير تقليدية للأزمات المزمنة التي تعيشها المنطقة والعالم، وبلورة مقاربة استراتيجية جديدة من خارج صندوق الحلول التقليدية بحثاً عن تسوية سلمية للقضايا والصراعات.
كل ذلك بناء على المعطيات الاستراتيجية القائمة والمصالح المشتركة وليس بناء على الشعارات الأيديولوجية، والأمر في هذا الشأن لا يتعلق بتحالفات عسكرية جديدة أو غير ذلك بل يتعلق ببناء شراكات استراتيجية واقتصادية وتنموية مع دول لها قواسم مشتركة في بناء مستقبل أفضل لشعوبها، كما تركز دولة الإمارات على البحث عن الفرص ومنح أولوية مطلقة للسياسات التنموية والاقتصادية خلال السنوات والعقود المقبلة، لا سيما أن الدولة تدشن حقبة خمسينية جديدة وضعت لنفسها فيها أولويات استراتيجية وفلسفة عمل تضمن تحقيق الأهداف التنافسية التي تسعى إلى تحقيقها.
وأثبتت التجارب أن منطقة الشرق الأوسط باتت بحاجة إلى مبادرات دبلوماسية خلاقة وتفكير من خارج الصندوق وخيال سياسي يتجاوز الأطر والقيود التقليدية التي ظلت تكبّل الأوضاع والعلاقات بين دول المنطقة، وتأكد للجميع أن هناك حاجة ملحّة إلى بناء سلام حقيقي ودائم في المنطقة، سلام يرتكز على التعاون والتعايش السلمي والتسامح ويفتح آفاقاً للتنمية والأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة، وذلك لن يتحقق سوى بالاستثمار في التنمية والأمن والاستقرار.
أصبحت دولة الإمارات أحد اللاعبين الرئيسيين إقليمياً ودولياً، وقد اتجهت لتوظيف هذه المكانة بكفاءة من خلال الإسهام القوي المؤثر في إطفاء الحرائق وتبريد الأزمات وتهدئة الصراعات، ولعب دور فاعل في "هندسة" العلاقات الدولية جيوسياسياً بما يصب في خانة تحقيق مصالح مشتركة للجميع وضمان الأمن والاستقرار وينهي حالة الفراغ الاستراتيجي الخطيرة، التي نجمت عن تراجع قوى دولية كبرى عن الاضطلاع بدورها التقليدي في الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين، بسبب اختلاف أولويات السياسة الخارجية وتراجع مكانة الشرق الأوسط ضمن أولويات بعض هذه القوى.
هناك أبعاد قومية وإقليمية وإنسانية مهمة للغاية تغذي تحركات الدبلوماسية الإماراتية، ولا سيما في ملفات مثل حرب غزة، حيث يصعب على دولة الإمارات تجاهل كل هذه الأعداد من الضحايا المدنيين، بغض النظر عن السبب في تفجر الصراع، وحيث لا ناقة لهؤلاء الضحايا ولا جمل في أهداف الفصائل والتنظيمات المسلحة التي أشعلت حرب غزة، حتى آلت الأمور إلى نزوح نحو مليوني فلسطيني من بيوتهم ومدنهم وقراهم، ومقتل أكثر من 30 ألفاً وإصابة عشرات الآلاف، فضلاً عن أعداد غير معلومة من المفقودين والجثث التي بقيت تحت أنقاض المنازل والمنشآت التي دمرتها الحرب.
وتشير قراءة تفاعلات وتحركات الدبلوماسية الإماراتية بشكل عام في السنوات الأخيرة إلى أن السياسة الخارجية الإماراتية تمثل نموذجاً للحيوية والفاعلية والديناميكية، والعمل الفاعل بهدوء بعيداً عن الدعاية والضجيج الإعلامي، ويعود ذلك بالأساس إلى نجاح الجهاز الدبلوماسي الذي يقوده الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، في بناء مقاربات واعية توازن بين مصالح الدولة من ناحية ومصالح المحيط الإقليمي مع مراعاة البعد الإنساني والتاريخي وثوابت الدولة وقيمها ومبادئها من ناحية ثانية.
ويجمع المراقبون وخبراء السياسة على أن ما وصلت إليه دولة الإمارات من نجاحات وازدهار تنموي مدعوم بحالة رائعة من حالات الأمن والاستقرار الداخلي يمثل حصاداً طبيعياً ومردوداً مباشراً للدبلوماسية الذكية التي صاغ معالمها وأرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ثم اكتسبت هذه الدبلوماسية قوة دفع متجددة وزخماً نوعياً جديداً في عهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، حيث توفر قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نشاطاً ديناميكياً وهوامش حركة إقليمية ودولية أوسع وأرحب، بحيث تعزز دورها وتأثيرها ضمن دوائر اهتمام مستحدثة على أجندة الحوار الدولي، كما هو عليه الحال في ملف الطاقة المتجددة، وحظر الانتشار النووي، والأمن والسلم الدوليين وغير ذلك.
ويدرك متابعو الشأن الإماراتي أن السياسة الخارجية للدولة قد تطورت بتطور المعطيات الإقليمية في كل مرحلة زمنية، بحيث تبدو مرآة لما يشهده الواقع الإقليمي والدولي من تغيرات وتحولات، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الفاعلية والديناميكية والهدوء والرصانة والحفاظ على قواعد حسن الجوار، الأمر الذي يفسر نجاحات هذه السياسة التي تبدو في حقيقة الأمر انعكاساً لما تشهده جميع قطاعات العمل والتنمية في دولة الإمارات من تطورات إيجابية متسارعة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة