كشفت روسيا النقاب عن تسجيل صوتي مزعوم يخص ألمانيا، تبلغ مدته 38 دقيقة، ونشرته رئيسة تحرير قناة روسيا اليوم، مارغريتا سيمونيان.
وفي التسجيل الصوتي يجري نقاش هامٌ بين مسؤولين من القوات المسلحة الألمانية، البوندسفير (Bundeswehr) ، حول: كيف يمكن للقوات الجوية الألمانية تقديم الدعم الفني لتسليم صواريخ توروس، بناءً على قرار سياسي افتراضي من المستشار الألماني أولاف شولتز؟
وخلال المحادثة المسجلة بعناية فائقة، يتم سماع أصوات المسؤولين العسكريين الألمان وهم يناقشون الأهداف المحتملة التي يمكن ضربها، بما في ذلك جسر كيرتش الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا.
ومع أن جهاز مكافحة التجسس العسكري الألماني بدأ تحقيقاً موسعاً، لمعرفة ما إذا كان قد تم اعتراض الاتصالات الداخلية داخل القوات الجوية، إلا أن الروس يطرحون ما هو أسوأ من ذلك بالقول: إن في جعبتهم تسجيلات مطولة وأكثر تفصيلاً، وترتبط بجيوش أوروبية أخرى، وهذا بحد ذاته يدشن مرحلة جديدة من حرب التسريبات بين الأطراف جميعاً، على خلفية النزاع الدائر في أوكرانيا.
وبما أن العلاقات الروسية الألمانية كانت على مدى عقود من الزمن الأكثر تعقيداً، فلا بد من التذكير أنها كانت علاقة مميزة للغاية في عهد المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، ومن بعده المستشارة الشهيرة أنجيلا ميركل، التي حافظت وقتها على هدوء وتعاون كبير بين برلين وموسكو، حتى وصفها منتقدوها بمحاباة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتحالف معه.
وبوتين نفسه، عاش فترة في ألمانيا الشرقية زمن الاتحاد السوفياتي، ويتقن سيد الكرملين اللغة الألمانية ولديه صداقات قوية مع صناع القرار السياسي الألماني في مراحل متعددة، وكانت ألمانيا البوابة الأوروبية الأكثر تفضيلاً لدى زعماء روسيا، لكن الصراع بين كييف وموسكو قلب الموازين وأعاد الأمور إلى الخلف.
ولأن لروسيا قدرات استخباراتية ضخمة وموارد هائلة داخل دول الاتحاد الأوروبي، فإن التسجيل المزعوم وغيره، سيجعلان أوروبا مكشوفة تماماً أمام الجانب الروسي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار خطط حلف شمال الأطلسي التي تخص روسيا، وهو الحلف الذي يناصب موسكو العداء، ويضم في عضويته أغلب أعضاء التكتل الأوروبي الكبير.
ورغم تباين وجهات النظر بين المعسكر الأوروبي ككل وروسيا الآن، إلا أن دول أوروبا ظلت محافظةً على علاقات دبلوماسية وتمثيل رفيع المستوى مع الدولة الروسية، والأمر ذاته ينطبق على موسكو وحضورها الدبلوماسي داخل العواصم الأوروبية، ولاقت أطروحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفضاً مباشراً حين طالب الأوروبيين بطرد سفراء روسيا وسحب سفرائهم من موسكو.
ومن الأهمية بمكان التوصل إلى قناعة محدودية الحرب الأوكرانية بعد عامين من نشوبها، وقدرة واشنطن على ضبط إيقاع اللعبة العسكرية الخطيرة، والتي كانت مرشحة للبدء بحرب عالمية ثالثة يخافها الجميع، لكن التطورات الأخيرة على الصعيد السياسي، طرحت مزيداً من سيناريوهات التصعيد غير المحسوب.
ففرنسا بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون استضافت قبل أيام قمة تضامنية مع أوكرانيا، حضرها أغلب زعماء أوروبا إلى جانب ممثلين عن كندا وبريطانيا والولايات المتحدة، وتضاربت التصريحات وقتها حول نية باريس إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، لكن الإليزيه حسم الجدل ونفى الأمر جملة وتفصيلاً.
أما السويد الطامحة لعضوية كاملة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقد حصلت على ما تريده بعد تجاوزها العقبتين الهنغارية والتركية، وباتت على مقربة رسميّة العضوية في القمة المرتقبة، وهذا أمر يضاف إلى رصيد الظروف الحالية الصعبة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الجغرافيا المتداخلة بين ستوكهولم وهلسنكي من جهة، ومع الاتحاد الروسي من جهة أخرى، وطبول الحرب الإعلامية والسياسية التي تقرع كل حين.
وأما الولايات المتحدة الأمريكية الغارقة في حملات انتخابية رئاسية مبكرة، وحاجات إدارة الرئيس الحالي جو بايدن لتصفير المشاكل قبل خوض الاستحقاق المصيري، فلا يبدو أبداً وجود أي تسوية لديها حيال روسيا، ولا إمكانية لمشروع مصالحة بين موسكو وواشنطن في الأمد القريب، على الرغم من مقاربات الحزب الجمهوري الأكثر إثارة حيال أوكرانيا والدعم العسكري، لتبقى الأنظار متجهة إلى ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية، أو حتى معارك الميدان الفاصلة وحتى الفاشلة داخل أوكرانيا نفسها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة