الرغبة في التميز وصنع الإنجاز الاستثنائي هي المفتاح الذي يمكّن الأفراد والشعوب من تحقيق المستحيل.
فقبل أيام احتفل المجتمع الإماراتي بعودة رائد الفضاء سلطان النيادي من رحلته الفضائية إلى الأرض، بعد أن رفع رؤوسنا جميعاً إثر مشاركته المشرّفة التي أكمل خلالها مهمته الفضائية على مدى ستة أشهر، وعكس ما لدى الشخصية الإماراتية من إصرار على النجاح والتميز.
وبعد أن تناول الكثيرون أهمية هذه الخطوة وأنها تمثل صفحة خالدة للإمارات ستذكرها كتب التاريخ والعلم، لا بد أن نتناول هذا الإنجاز من زاوية أنه يفتح الأبواب أمام المزيد من الإنجازات ويعزز طموح الإمارات نحو المساهمة مع أكبر دول العالم في أبحاث الفضاء خلال السنوات المقبلة.
ومن هنا فإن هذا الإنجاز يمثل علامة فارقة في مسيرة الدولة في مجال الفضاء، ويعكس طموحها في أن تكون رائدة في هذا المجال على المستوى العالمي، وكل المقدمات والإنجازات التي تحققت حتى الآن تشير إلى أن الإمارات تقود الإسهام العربي في هذا المجال المهم، فمنذ إطلاق أول قمر صناعي إماراتي في عام 2009، بذلت الإمارات جهوداً كبيرة لتطوير برنامجها الفضائي، ونجحت في تحقيق العديد من الإنجازات المهمة، منها إطلاق مسبار الأمل إلى المريخ، وبناء أول محطة فضائية عربية.
ومع كل هذه الإنجازات، تستطيع الإمارات الحديث بثقة عن تحقيق إنجازات أخرى قادمة، لها جانبها العلمي المستقبلي الذي يخدم البشرية، خصوصاً أن السفر إلى الفضاء والإقامة فيه يتطلبان قدرات علمية وتقنية عالية، إضافة إلى أن التجارب العلمية التي أجراها سلطان النيادي على متن محطة الفضاء الدولية كانت لها أهمية كبيرة في فهم الكون وتطوير التكنولوجيا.
ومن هنا تعد رحلته وعودته سالماً إنجازاً وطنياً بارزاً، يجعل من صاحبه يمثل مصدر فخر واعتزاز للشعب الإماراتي ولكل إنسان عربي؛ لأنه يلهم غيره من شباب الإمارات والشباب العربي بتحدي المستحيل، ويحفزهم على تحقيق أحلامهم والتفوق في مختلف المجالات.
كما أن هذا الإنجاز يعزز مكانة الإمارات على المستوى الدولي، ويؤكد التزامها بالبحث العلمي والابتكار، ويفتح لها آفاقاً جديدة للتعاون مع الدول الأخرى في مجال الفضاء، بما يتناسب مع طموح الإمارات إلى أن تكون من بين الدول الرائدة في علوم الفضاء ورحلات الاستكشاف والتجارب، حيث تخطط لإطلاق برنامج لاستكشاف المريخ، وإنشاء محطة فضائية عربية دائمة، وتوسيع التعاون مع الدول الأخرى في مجال البحث العلمي الفضائي، والمشاركة بفاعلية دائمة في العديد من البرامج الدولية.
وما حققه رائد الفضاء ابن الإمارات سلطان النيادي خلال رحلته التاريخية التي حملت اسم "طموح زايد 2"، خطوة تعكس رؤية وطموح دولة الإمارات في مختلف المجالات، وليس فقط في مجال استكشاف الفضاء، وستظل كتب التاريخ تحكي عن أن النيادي كان أول رائد فضاء عربي يخوض مهمة "السير في الفضاء" خارج محطة الفضاء الدولية، مع بقية المهام العلمية الأخرى التي نفذها مع طاقم الرحلة.
على شباب الإمارات أن يفخروا بأن واحداً منهم استطاع أن يجعل من بلده دولة الإمارات العاشرة عالمياً في مهمات السير في الفضاء، كما شارك النيادي في نحو 200 تجربة علمية في مختلف المجالات، استغرقت نحو 585 ساعة، من أهمها دراسة آثار الجاذبية الصغرى على استجابة الخلايا البشرية للالتهابات وغيرها من التجارب.
وفي تأكيد للاهتمام بتأهيل الشباب الإماراتي لهذا المجال العلمي لا ننسى أن إمارة الشارقة تستقبل الطلاب والباحثين في أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك، لتضاف إلى منارات العلم ومراكز الأبحاث الأخرى في الدولة والقائمة على أحدث مستوى.
ويجب لفت الانتباه إلى أهمية التوجه الإماراتي نحو استكشاف الفضاء من منظور عالمي، يعكس حرص الدولة على أن تكون من الأعضاء الدوليين البارزين في استكشاف الفضاء، بهدف الإسهام في بحوث علوم الفضاء واستثمار تلك البحوث في خدمة الإنسانية، وليس من باب الفخر فقط، وإن كان ما تحقق جديراً بالفخر والتسجيل في الذاكرة المحلية والعربية والعالمية.
أختم بتهنئة قيادتنا وشيوخنا، وبالتعبير عن الفخر لكل إماراتي وعربي، لأن عودة سلطان النيادي بعد هذه المهمة تذكرنا بطموح المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، في معانقة أبنائه النجوم، ووصولهم إلى أقصى حدود المستحيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة