الشائعات هي سلاح جماعة الإخوان القديم الجديد في مواجهة الخصوم السياسيين ومعارضيهم؛ فضلًا عن كونها سلاح الضعفاء، فإنه السلاح الأكثر فتكًا بالمعارضين للتنظيم بعد أن فقد مصداقيته في الشارع العربي وبات عبئًا على البلدان التي يوجد فيها.
ولم يعد لسلاح الشائعات أي تأثير في ظل زيادة درجة وعي المواطن العربي؛ فقوة هذا السلاح مرتبطة بانتشار الجهل من عدمه؛ وبما أنهم أصبحوا أكثر إدراكًا وفهمًا للتنظيمات الدينية الراديكالية المؤدلجة والإخوان في القلب منها، فقد سلاح الشائعات دوره وأثره الذي يرجوه مستخدموه.
يُدرك الإخوان هذه الحقيقة جيدًا ولكنهم لا يزالون يُصرون على استخدام هذا السلاح، حتى بات متحكمًا في تصوراتهم وسلوكهم، فهم لا يملكون غيره، وليس لديهم ما يستطيعون أن يقدموه للنّاس، فهم فقدوا مصداقيتهم التي تحايلوا عليها عبر الخديعة، وهنا لم يبقَ أمامهم غير تشويه الخصوم السياسيين والمعارضين لهم، فقد تكون هذه الوسيلة الوحيدة التي يقدمون أنفسهم من خلالها.
مصر مقبلة على انتخابات رئاسية، وهي ظروف سياسية مناسبة لاستخدام الإخوان لسلاحهم القديم الجديد، يُريدون من خلاله أن يصفّوا حساباتهم مع الشعب المصري الذي ثار عليهم في 30 يونيو/حزيران عام 2013 وعلى النظام السياسي الذي استجاب لمطالب الشعب المصري فواجههم على مدار أكثر من عقد كامل ولا يزال.
وهذا قد يُكون الدافع الأول للشائعات التي تروجها جماعة الإخوان يومًا بعد آخر عبر منصاتهم الإعلامية بدعم من آخرين ربما تكون لهم مصلحة في أن تعود مصر لمربع الفوضى مرة أخرى، الإخوان يستخدمون سلاح الشائعات في مناسبة وفي غير مناسبة بهدف تصفية المختلفين عنهم أو خصومهم السياسيين.
لن أناقش في هذا المقال الشائعات التي روجها الإخوان الفترة الأخيرة، ولا التي روجتها الجماعة على مدار عقد زمني كامل بعد ثورة 30 يونيو/حزيران عام 2013، ولكن سوف ينصب نقاشي حول فلسفة استخدام الإخوان سلاح الشائعات وارتباط ذلك بحدث سياسي كبير ألا وهو الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لا أحد يختلف على أهمية الاستحقاق الانتخابي ولا الظروف التي تعيشها مصر في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية بعد مراحل التعثر التي مرت بها ما بين عامي 2011 و2013، ولعل الجميع يتفق على أهمية الحفاظ على الاستقرار حتى يمر الاستحقاق الانتخابي بسلام وتظل الدولة قوية ويتم استكمال مراحل البناء على المستويين، بناء الإنسان والبنية التحتية التي أحدثت طفرة في شكل الدولة.
لم ينسَ الشعب المصري مواقف الإخوان من الدولة ومؤسساتها أثناء حكمهم للبلاد في عام 2012 ولا ضد معارضيهم عندما كانوا في السلطة؛ فقد تعاملوا معهم باستبداد متناهٍ بعد أن قاموا بتشويههم وإقصائهم من المشاركة في الحكم، بعد أن خرجت فتاوى التكفير التي تُشكك في إيمانهم أو وطنيتهم، ويُضاف لهذا وذاك استخدام الجماعة ومليشياتها العنف، فقد أوغلوا في دماء المصريين بصورة مباشرة وعبر دعم جماعات متطرفة أخرى.
استدعاء حالة العداء للدولة المصرية في هذه المرحلة يوضح عدم إيمان الإخوان بالدولة ولا بالمفهوم الوطني لها، وهنا يختار التنظيم هذا الوقت أو يراه مناسبًا لنشر الشائعات ومحاولة النيل من الدولة واستقرارها، وهنا خصومة التنظيم ليست مع النظام السياسي ولا حكومته ولكن مع الشعب المصري ومؤسسات الدولة في المطلق.
ولم تستغنِ الجماعة عن سلاح الشائعات، فقد زيفت الحقائق وشوهت الخصوم، وها هي تقوم بهذا الدور في هذا التوقيت تحديدًا، ولكن عبر محاولة إدرار عطف المجتمع، فتارة تدعي أنّ أعضاءها وقياداتها يعيشون أوضاعاً مأساوية داخل السجون، رغم أن هؤلاء الجنائيين مارسوا عنفًا وحرضوا عليه، وهذا لا يُعني أننا نؤيد وضعًا غير إنساني في السجون، ولكنها تُريد أن تستثمر أي هجوم على السلطة السياسية في البلاد حتى يصب في خانة التعاطف معها، لعلها تنال ما افتقدته طوال أكثر من عقد من الزمان.
وسوف تزداد وتيرة شائعات الإخوان خلال المرحلة المقبلة، هذه الشائعات ستنال من أعراض خصومهم، بل الهدف منها تصفية هؤلاء الخصوم وتشويههم، كل يوم سوف يكون فيه أكثر من شائعة، والوقت الذي يخلو من الشائعات هو ذلك اليوم الذي يغرب فيه الإخوان عن شمس هذه الحياة.
فلسفة تنظيم الإخوان قائمة على الهدم وليس المعارضة؛ الجماعة لا ترغب في المشاركة السياسية وإنما تعتمد على سياسة الاستحواذ، وهنا تبدو معاول الهدم التي ترفعها في يدها بهدف هدم أي نظام سياسي قائم بالفعل، من أجل إقامة نظام سياسي جديد تكون هي على رأسه.
وفي حال نجحت في ذلك سوف تقصي معارضيها وتمارس لغة الانتقام والتشفي منهم، وفي حال فشلت في تحقيق ما أرادت، فإنها ستُطالب بالمشاركة السياسية تحت عنوان "مشاركة لا مغالبة" حتى إذا وجدت مناخًا مؤيدًا لفكرتها سعت إلى هدم النظام السياسي وإثارة الفوضى من أجل السيطرة الكاملة بلا أي منازع، وهو ما تسعى إليه الآن.
من المهم الانتباه إلى الإخوان وخطرهم، لا بد من قراءة التنظيم قراءة دقيقة بلا أي انحيازات؛ فكلما كنت أقرب إلى قراءة التنظيم وفهمه، كنت أقدر على مواجهته أو تفكيك أفكاره المؤسسة، وهو ما أهلنا لفهم دلالة استخدام سلاح الشائعات في هذا التوقيت المرتبط باستحقاق انتخابي هو الأكبر والأهم في تاريخ مصر.
ستمر الأحداث السياسية بسلام كما مر غيرها خلال السنوات العشر الماضية وستبقى مصر، وستظل أبواق الدعاية المزيفة بلا أي تأثير؛ سيُبطل الشعب المصري أثر السحر والساحر، فلا أخشى على الوطن، فالله يحميه، ولا أخشى على المصريين فبالوعي تهوي مكائد الأشرار، ولكن ما أطلبه وأشدد عليه أن نظل مرابطين في مواجهة دعاة الشر، كل من مكانه ووفق ما يمتلكه من أدوات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة