إن هذا القرار الإماراتي انطلق بالأساس من مبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية التي اعتبرت السلام هو الخيار الاستراتيجي للعرب.
منذ قيام الاتحاد عام ١٩٧١، صاغت دولة الإمارات العربية المتحدة سياستها الخارجية على ركيزتين أساسيتين مترابطتين، الأولى هي دعم قيم السلام والتسامح والاستقرار باعتبارها الأساس لرفاهية شعوب العالم وتقدمها، والثانية دعم القضايا العربية المشروعة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي قدمت لها الإمارات حتى قبل تأسيس اتحادها المبارك كل صور الدعم، قولاً وفعلاً، ووضعتها في قلب اهتماماتها وأولوياتها.
فلا خلاف على أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال وستظل هي قضية العرب الأولى، وهي أيضاً قضية الإمارات الأولى، لكن هذه القضية التي ظلت تراوح مكانها منذ أكثر من سبعين عاماً عقب نكبة 1948، واختبرت كل أشكال العلاقات الصراعية والتعاونية، أصبحت بحاجة إلى تبني نهج جديد أكثر حسماً وجرأة في التعامل معها لتحقيق اختراق في الجمود الذي تعانيه منذ عقود طويلة. فإذا كان الحل العسكري غير وارد، فإن اعتبارات المنطق والعقل والحكمة تقتضي البحث عن حلول أخرى جريئة لاستعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني، من خلال الوسائل السلمية وعبر طرق أساليب الحوار والتواصل البناء التي قد تفتح المجال لاستئناف مسيرة التسوية السلمية بما يحقق أهداف جميع الأطراف، وعلى رأسها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
في هذا السياق يمكن فهم الخطوة الإماراتية الجريئة بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل والتي تم الإعلان عنها في بيان ثلاثي إماراتي- أمريكي- إسرائيلي الخميس الماضي، أنها تجسد لمرحلة جديدة ونهج جديد في التعامل مع قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي عامة والقضية الفلسطينية خاصة، يتجسد في السعي لتحقيق السلام من خلال التواصل الفعال والمباشر والحوار البناء الذي يحقق مصالح جميع الأطراف ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
ولا شك أن هذا القرار الإماراتي الجريء والحاسم يخدم القضية الفلسطينية بالدرجة الأولى ومن زوايا متعددة، فهذ الخطوة ترتب عليها بشكل سريع ومباشر إعلان إسرائيل وقف خططها لضم أراضٍ فلسطينية جديد في الضفة الغربية، وهي الخطط التي كانت ستقضي تماماً على حلم إقامة الدولة الفلسطينية. ومن شأن هذه الخطوة أيضاً أن تحافظ على قابلية حل الدولتين الذي أقرته الجامعة العربية والمجتمع الدولي باعتباره الطريق الرئيس لتحقيق السلام المنشود في المنطقة، وخلق فرص جديدة لتحقيق السلام ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن في كل ربوع منطقة الشرق الأوسط، التي لطالما عانت من عدم الاستقرار بسبب هذا الصراع، الذي تم توظيفه حتى من قبل الجماعات الإرهابية والمتطرفة لتجنيد الشباب ونشر التطرف والعنف في المنطقة.
إن هذا القرار الإماراتي انطلق بالأساس من مبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية التي اعتبرت السلام هو الخيار الاستراتيجي للعرب، ومن قناعة إماراتية بأن التواصل الإيجابي المباشر والبناء والصريح هو الطريق الأقصر لتحقيق السلام واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومن ثم فهو لا يمثل تغييراً في نهج الإمارات وسياساتها المبنية على دعم الحقوق للشعب الفلسطيني وتطلعاته لحياة مستقرة ومزدهرة وآمنة، ولذا لاقى هذا القرار ترحيباً عربياً ودولياً واسعاً.
إن الإمارات كانت ومازالت وستظل داعماً رئيسياً للشعب الفلسطيني ونضاله لاستعادة حقوقه المشروعة، وقرارها الأخير يخدم هذا التوجه بالأساس، حيث تعمل الإمارات دائماً على توظيف علاقاتها البناءة مع الجميع لخدمة قضايا أمتها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي ستظل في قلب وأولوية الإمارات قيادة حكيمة وشعباً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة