هذه المعاهدة التاريخية تؤكد أن الإمارات تتبنى مشروع السلام والتسامح والقبول بالآخر، وتؤكد في كل مرة قدرتها على تجاوز الحواجز.
القضية الفلسطينية قضية عادلة بمعيار الحق، ولكن هي خاسرة بمعيار الوقائع، هذا حالها منذ بدايات القرن الماضي وصولاً إلى اليوم، وعلى طول التاريخ وعرض الجغرافيا كان الواقع يفرض نفسه على الحق، هذه واحدة من سنن التاريخ.
الانتظار والاكتفاء بمزيد من الخطابات والتعاطف دون أي نتيجة سياسية أو اقتصادية، ودون أي أفق مستقبلي حوّل الأسوأ إلى مزيد من السوء، وهو للأسف ما جرى ويجري في فلسطين منذ عقود ليست بالقصيرة.
اليوم هناك متغيرات كبرى جرت في المنطقة، فإيران تحتل أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وتركيا تحتل مناطق في سوريا والعراق وليبيا، هذا أمرٌ، والانقسام الفلسطيني الحاد لأكثر من عقد من الزمان أمرٌ آخر قد مثّل فشلاً تاريخياً محبطاً، وخلق واقعاً ضرب القضية العادلة في مقتل. هذا غير أن الشعوب العربية بعضها انشغل كلياً باحتلال بلدانها من إيران أو تركيا، وأصبحت الأولوية لديهم تكمن في مواجهة الفوضى والإرهاب في بلدانهم.
وقد استغلت إسرائيل ضعف الموقف العربي وانقسام الصف الفلسطيني في التخطيط لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك أجزاء مهمة من الضفة الغربية المحتلة، بينها غور الأردن، وهو ما يعني القضاء على حلم إقامة الدولة الفلسطينية، خاصة وأن المساحة المزمع ضمها تصل إلى 30٪ من الضفة الغربية.
ولم يعد أمام العرب إلا العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفي سبيل ذلك وقّعت الإمارات العربية المتحدة، التي طالما أبدت دعماً دؤوباً للسلام في الشرق الأوسط، معاهدة سلام مع إسرائيل، بني عليها قرار في غاية الأهمية وهو إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
هذه المعاهدة التاريخية تؤكد أن الإمارات تتبنى مشروع السلام والتسامح والقبول بالآخر، وتؤكد في كل مرة قدرتها على تجاوز الحواجز النفسية والسياسية البالية، وتكرّس مفاهيم جديدة للعلاقات البينية في المنطقة دون الوقوع في دائرة الابتزاز، أو الصمت عن الحق.
ليس لأحد مصلحة في الدفع نحو المزيد من تأزيم الموقف، ولا في ركوب القضية بشعارات تحريضية أو لأهداف أيديولوجية لخدمة مشاريعها كما تفعل بعض دول مثل قطر وتركيا، بينما تنطلق الإمارات من سياسة واقعية تقرأ جيداً الأوضاع المحيطة، وتنطلق من فهم أسباب انكسارات الماضي لتلافيها في تحديد مسارات المستقبل وفق توازنات لا يمكن تجاهلها.
الإمارات ظلّت مؤيدة وبقوة للشعب الفلسطيني وداعمة لمبادرة السلام العربية منذ فترة طويلة، وما يجب أن يدركه الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بشكل عام أن الإمارات أنقذت حلم إقامة الدولة الفلسطينية من الضياع بإيقاف التوسع الإسرائيلي قبل أن تقدم أي شيء لإسرائيل، وأن هذا الاتفاق التاريخي هدفه المصلحة الفلسطينية وإيجاد قنوات عربية جديدة لدعم القضية ومساعدة الشعب الفلسطيني في الوصول إلى السلام، بعد أن كادت خطوة ضم أراضي الضفة الغربية تقضي تماماً على حلم الدولة الفلسطينية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة