الاتفاق يشكل فرصة حقيقية لإعادة الحياة إلى مبادرات السلام التي طرحت في السابق، وإلى إمكانية تحريك عملية السلام.
لا يمكن النظر إلى الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي للسلام، بعيدا عن الاتفاقيات السابقة التي عقدت في هذا المجال، وهي اتفاقيات عقدت لإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، فمن اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، مرورا باتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، واتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، وصولا إلى الاتفاق الثلاثي، ثمة هدف استراتيجي وهو تحقيق السلام. بعيدا عن الذين أدمنوا على نهج المزايدة، والخطابات الرنانة، والقنابل الصوتية، والمتاجرة السياسية، واستغلال العواطف الإنسانية والدينية والقومية والاخلاقية، وضع الاتفاق الثلاثي جملة من العناوين التي تشكل امتحانا للسلام، ولعل من أهم هذه العناوين:
1- وقف عملية ضم الضفة الغربية التي وضعها بنيامين نتنياهو على نار حامية، بعد أن شيدت إسرائيل عشرات المستوطنات فيها.
2- وقف عملية ضم غور الأردن الذي يشكل خزانا بشريا، وعمقا جغرافيا للضفة الغربية، بما يعني الحفاظ على الديمغرافية الفلسطينية.
3- الإبقاء على إمكانية حل الدولتين، بعد أن كادت إسرائيل تقضي عليه، بفعل الاستيطان وتقطيع الأوصال بين المناطق الفلسطينية.
4- ضمان وصول المسلمين إلى المسجد الأقصى للصلاة والعبادة، وهذا بحد ذاته يشكل منطلقا للحفاظ على الأقصى في مواجهة الخطط الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد الأقصى والقدس.
5- الاتفاق يشكل فرصة حقيقية لإعادة الحياة إلى مبادرات السلام التي طرحت في السابق، وإلى إمكانية تحريك عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وحتى على المسار السوري حيث الجولان المحتل.
6- من شأن هذا الاتفاق توجيه البوصلة نحو إسرائيل للحد من إجراءاتها ضد الفلسطينيين وحصارها لهم، إذ أن ذلك يشكل مقياسا لرغبتها في تحقيق السلام.
7- الاتفاق يشكل منطلقا لاتفاقيات مماثلة بين إسرائيل ودول عربية أخرى، وهو ما سيخلق مسارا لتعميق جهود السلام والاستقرار في المنطقة وعلى مستوى الإقليم من خلال تفاهمات واتفاقيات تحفظ الحقوق.
مع التأكيد على أهمية هذه العناوين الجوهرية في الاتفاق الثلاثي، فإن الاتفاق يشكل تحولا استراتيجيا على صعيد التطورات والمتغيرات والتحالفات الجارية في المنطقة، ففي الوقت الذي يفتح المجال أمام جهد عربي – إسرائيلي – دولي لتحقيق السلام، يرسم في الوقت نفسه بداية لوضع حد للأجندة الإقليمية وتحديدا لإيران وتركيا اتجاه العالم العربي، فليس هناك أكثر من تركيا لها علاقة وثيقة مع إسرائيل وتسخرها لأهدافها في الوقت الذي تتاجر فيه بالقضية الفلسطينية، وعليه فإن الاتفاق يصنع مسارا جديدا من شأنه وضع النقاط على الحروف بِشأن استخدام الدولتين للقضية الفلسطينية شعارا سياسيا وأيديولوجيا وأخلاقيا لتحقيق أجندتهما التوسعية، وهو من شأنه الدفع نحو انتهاج العقلانية في ممارسة السياسة، والبحث عن حلول واقعية ممكنة بعيدا عن الخطابات الأيديولوجية الرنانة، خاصة وأن متغيرات كثيرة حصلت في المنطقة، ليس على صعيد الخطاب السياسي فحسب، وإنما على صعيد الوقائع المتصلة بالتكنولوجيا، والتطور العلمي والتأسيس لمقومات المستقبل، وهي كلها معطيات تجعل من الصراعات القديمة التقليدية القائمة على الحروب صراعات عقيمة تراوح مكانها، فيما التطورات الحاصلة في ميادين الحياة باتت تتطلب انتهاج وسائل جديدة للحفاظ على الاستقرار وتحقيق السلام بتكلفة أقل من تكلفة الحروب المدمرة.
هناك من سيهاجم الاتفاق الثلاثي، كل لأسبابه ومشاريعه وأيديولوجيته الخاصة، ومثل هذا الأمر طبيعي ومتوقع، وسبق أن شهدناه مع كل توقيع لاتفاق سلام بين إسرائيل وأطراف عربية، لكن التاريخ أثبت أن هذه الطريقة من الممارسة والتفكير أضرت بالقضية الفلسطينية أكثر من ما وفرت لها فرصة حقيقية للسلام ونيل الحقوق، وعليه فإن الاتفاق الثلاثي من حيث التوقيت والدلالات والظروف، يشكل اختراقا دبلوماسيا يؤمل منه توفير مقومات السلام المنشود، السلام الذي باتت المنطقة بأمس الحاجة له.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة