في وقت تعلن فيه الإمارات عن قرارها بمنح إقامات لرعايا الدول التي تعاني من ويلات الحروب، نجد في المقابل من يستغل حاجتهم للأمن والأمان.
يروي أحد مرافقي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" عن موقف إنساني للوالد المؤسس "رحمه الله"، حيث يقول: كان الشيخ زايد في طريقه ذات يوم من قصر باب البحر إلى كاسر الأمواج، وبالقرب من مركز المارينا للتسوق في أبوظبي، أشارت سيدة بكلتا يديها، فأمر رحمه الله، السائق بالتوقف ليستمع إليها، فقالت إن زوجها فقد وظيفته، وشكت عجزها عن تدبير نفقات علاج ابنتها المريضة بالسرطان.
وقبل أن تكمل السيدة حديثها وجه المغفور له، بإذن الله، بأن يعود زوجها إلى عمله خلال ساعة، وأمر بصرف 50 ألف درهم لها فوراً، وتكفل بجميع نفقات علاج ابنتها في الخارج.
استذكرت هذا الموقف بالأمس، حين أصدر مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قراراً بمنح رعايا الدول التي تعاني من حروب وكوارث، إقامة لمدة عام في الدولة، مع إعفائهم من أية مخالفات أو غرامات مترتبة.
في الوقت الذي تعلن فيه الإمارات عن قرارها بمنح إقامات لرعايا الدول التي تعاني ويلات الحروب والكوارث، نجد في المقابل من يستغل حاجتهم للأمن والأمان وهروبهم من جحيم القتل والحروب، لكي يساوم بهم المنظمات العالمية والاتحاد الأوروبي ويستخدمهم كورقة ضغط لتحقيق أهدافه السياسية والأيديولوجية والتوسعية.
مثل هذا القرار لم يشكل إعلانا بأن الإمارات قررت اليوم فقط أن تفتح أحضانها للمعوزين والمستجيرين من الكوارث والأزمات والحروب كما أراد أن يفسّر البعض، بل إن الإمارات ومنذ تأسيسها، كانت ولا تزال وستبقى، بفضل حكمة قيادتها ورعايتهم الدائمة للمبادرات الإنسانية والعمل الخيري، ملاذا آمنا ومقصدا يطمح أن يفد إليه الجميع، سواء للحصول على فرص أفضل للعمل والابتكار والتعليم والسكن الملائم وتحسين مستوى المعيشة، أو لمن قصدها بسبب الظروف السياسية والأمنية التي تعاني منها دولهم التي قدموا منها ولينعموا بالأمن والأمان الذي حبا الله به هذه الأرض المعطاءة، وهو نهج تسير عليه الإمارات قيادة وشعبا باعتباره انطلاقا من تعاليم الدين الإسلامي وعادات وتقاليد تحث على إكرام الضيف وغوث المحتاج.
ولو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر الأزمة السورية وما نتج عنها من مآسٍ إنسانية، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، وبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة، قدّمت مساعدات مالية للاجئين السوريين بلغت نحو 3 مليارات و150 مليون درهم، واستقبلت على أراضيها أكثر من 130 ألف سوري منذ اندلاع الأزمة في عام 2011، مانحة إياهم تأشيرات إقامة تتيح لهم العيش الكريم.
صدور هذا القرار يعد تنظيما قانونيا وإداريا يسهم في منح هذه الفئة الحماية والغطاء اللذيْن سيحفظان لها الكرامة، وسيمنحانها الإطار القانوني والتشريعي الذي يمكنها من تدبر أمور المعيشة والحياة بكل سهولة ويسر، وهو ما يحظى به كل مواطن ومقيم على أرض الإمارات التي كانت دوما عنوانا للمشروع الوطني الذي يحفظ للإنسان كرامته والسبّاقة إلى مد يد العون والمساعدة والغوث لكل محتاج ومعسر.
وفي الوقت الذي تعلن فيه الإمارات عن قرارها بمنح إقامات لرعايا الدول التي تعاني ويلات الحروب والكوارث، نجد في المقابل من يستغل حاجتهم للأمن والأمان وهروبهم من جحيم القتل والحروب، لكي يساوم بهم المنظمات العالمية والاتحاد الأوروبي، ويستخدمهم كورقة ضغط لتحقيق أهدافه السياسية والأيديولوجية والتوسعية، ويستخدمهم كاستثمار يسعى من خلاله للحصول على المنح المالية والمزايا الاقتصادية، ويرسل رسالة للعالم بأنهم عبارة عن قنبلة يملك هو توقيت تفجيرها وبوصلة توجيهها نحو من يعارض سياساته أو يخالف توجهاته.
يأتي صدور هذا القرار الإنساني في الإمارات بالتزامن مع مشاهد تلك السفن التي تمتلئ بآلاف المهاجرين في أعالي البحار، ووضع أولئك اللاجئين في ملاجئ وخيم لا تليق بكرامة الإنسان، في مشهد لا تنقصه المذلة والهوان، ومع لقطات لجثث الغرقى من الأطفال والنساء التي تطفو على سطح المحيطات، وبأصوات الأمهات وبكائهن على فلذات أكبادهن الذين فقدوهن خلال رحلتهم من الموت إلى الأمل عبر أمواج الموت.
كل تلك المشاهد تؤكد لنا الفرق بين من يقدم العون والمساعدة لحفظ كرامة الإنسان، ومن جعل من إهانة كرامة الإنسان استثمارا يسعى من خلاله إلى الاستعراض والمتاجرة باسم الإنسانية وغوث اللاجئين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة