لم يكن الإسهام الإماراتي في التحالف العربي رمزياً أو صورياً؛ بل جسد شراكة كاملة تمكنت من تحرير معظم الأراضي وبقاء الدولة اليمنية.
إذ تتوارد الأخبار عن إعادة انتشار القوات الإماراتية ضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، وهي الخطوة المهمة في الأزمة اليمنية، فلا بد من إثبات مجموعة ملاحظات:
الملاحظة الأولى حول الدور القيادي والصلب لدولة الإمارات في دعم ومؤازرة الأشقاء، وفي تحمل المسؤوليات تجاه أمن واستقرار المنطقة، فنحن اليوم في نظام دولي جديد لا يمكن، في ظله، الاعتماد الكامل على القوى الدولية لدرء الأخطار والتهديدات والمحافظة على الأمن والاستقرار، من هذا المنطلق كانت الاستجابة الإماراتية لدعوة الحزم مباشرة وواعية وعميقة، وكذلك العمل إثرها لبناء أنموذج للتحالف العربي الفاعل، والحفاظ على قوته وصلابته في أحلك الظروف وأصعبها.
الخلاصة أنه يحق لنا ونحن على أعتاب مرحلة جديدة في هذه الأزمة أن ننظر، بكل فخر واعتزاز، إلى أداء قواتنا المسلحة الباسلة، ويحق لنا أن نشير، بكل اعتداد، إلى جهود دولة الإمارات في تعزيز العملية السياسية ودعمها
لم يكن الإسهام الإماراتي في التحالف العربي رمزياً أو صورياً؛ بل جسد شراكة كاملة تمكنت من تحرير معظم الأراضي اليمنية من الانقلاب الحوثي، وبقاء الدولة اليمنية، وبالتالي التصدي للتمدد الحوثي؛ بحيث أصبح هذا العدوان في موقف دفاعي عما تبقى له من الأراضي اليمنية.
ثانياً - يحق لنا أن نفخر بقواتنا المسلحة وبأبناء الوطن على أدائهم وشجاعتهم ومهنيتهم، وتسجل لهم مجموعة من العمليات الناجحة غير المسبوقة في التاريخ العسكري العربي، وعلى رأسها الإنزال البحري المتقن، وتحرير مدينة عدن، والعملية العسكرية الحاسمة لتحرير المكلا من عصابات تنظيم «القاعدة»، وصولاً إلى إلحاق هزيمة تاريخية بهذا التنظيم الإرهابي، بالإضافة إلى العملية التي استعادت باب المندب لتحمي الملاحة الدولية، ولتتقدم على الساحل الغربي في سلسلة من الانتصارات على المليشيا الحوثية لتغدو الحديدة جاهزة للتحرير، الأمر الذي فرض على «الحوثي» التسليم باتفاق ستوكهولم.
هذا بعض جوانب النجاح الذي حققه أبناؤنا البواسل ضمن التحالف العربي، وضمن أسلوب متقدم أصيل مناقض، بسبب من طبيعته وهدفه، لما تلجأ إليه، على سبيل المثال، قطر ونظامها في شراء العتاد وتجنيس وتدريب الجنسيات كافة، ليقوم كل أولئك «الغرباء» بدور الطيار والمختص بالدفاع الجوي والضابط والجندي.
تجربة الإمارات في اليمن هي مقدمة وحصيلة إيمان بأن الوطن لا يذود عنه إلا ابنه، فلا يتوقع أو يتصور أن يكون جداره الصلب إلا أهله، فهنيئاً لنا، كإماراتيين، بهذه التجربة الصعبة، لكن الناجحة، لقد أثبتت القوات الإماراتية المسلحة نفسها وكفاءتها، واستطاعت أن تنجز تكليف القيادة السياسية في الأطر الزمنية المرسومة، وهنيئاً لنا بهذه القيادة العسكرية التي ينظر إليها البعيد قبل القريب بكل احترام وإعجاب، ويدرك أن للوطن حصنه وسيفه ودرعه.
ثالثاً - نجحت دولة الإمارات ضمن التحالف العربي في كونها دولة مبتكرة، تصديقاً وتطبيقاً لسياقها في مختلف المجالات، وها هي تؤكد أنها دولة مبتكرة في توجهاتها العسكرية، وفي صميمها التدريب الكفؤ للقوات اليمنية الوطنية التي حاربت، بكل بسالة وقدرة، في كل الميادين.
إنها القوات المدربة إماراتياً، والتي هزمت الحوثي في عديد المعارك مع التحالف، يوم راحت قوات التحالف تدق بابه في الحديدة، وتفرض عليه اتفاق ستوكهولم، القوات المكونة من المعلم والطبيب والمزارع إلى آخره، والقوات التي راكمت رصيداً كبيراً في مواجهة الاعتداء الحوثي بتدريب إمارتي.
ولنا أن نتخيل سيناريو أو سيناريوهات الحوثي فيما ترك مغفولاً عنه، يتصرف وفق توجهه وهواه، في أعقاب إعلانه الانقلاب على الشرعية اليمنية وعلى مسارات السلام والعملية السياسية المتفق عليها بمعرفة المرجعيات الخليجية والعربية والدولية.. ماذا ستكون العواقب لو أتيحت للحوثيين، وهم الشرذمة القليلون المعروفون بأطماعهم، والمعروفة أطماعهم، السيطرة على كامل مقدرات اليمن وشعبه؟
الانقلاب الذي قامت به مليشيا الحوثي في عام 2014 وسيطرت من خلاله على المحافظة تلو المحافظة لن يتكرر، وغني عن البيان أن دولة الإمارات، ومن خلال قراءة معمقة للمشهد العسكري، استطاعت أن تؤسس وتدرب وتعزز هذه المنظومة التي لقيت استجابة واسعة من الشعب اليمني الشقيق، ونرى الإمارات، من خلال ذلك، كشريك فاعل وصادق يبتعد عن الشعارات، ويستعيض عنها بالعمل والإدارة والمتابعة.
رابعاً - لا بد من تحية الجهد الإنساني للتحالف في هذه الأزمة التي تسبب فيها الانقلاب الحوثي؛ حيث تمكن التحالف من بناء ومتابعة برنامج نشط للدعم الإنساني يواكب العمليتين السياسية والعسكرية، وبالرغم من انتقادات بعض المنظمات معلومة المنطلقات والتوجهات، فإنه لم تشهد أي أزمة من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا جهداً إنسانياً منظماً كجهد التحالف في اليمن.
قدمت دولة الإمارات وحدها 59, 5 مليار دولار، وشملت هذه الجهود الإغاثة المباشرة، والتعليم، والتصدي للأوبئة، ومشاريع البنية التحتية، وقامت هيئة الهلال الأحمر بدور بارز لا يمكن إنكاره؛ وذلك غير عطاءات السعودية في هذا المجال، خصوصاً عبر ما قدمه ويقدمه مركز الملك سلمان للإغاثة، في حين تؤكد جهينة الأرقام أن ما قدمته المملكة العربية السعودية لليمن من عام 2015 حتى يوليو/تموز 2018 بلغ 11 ملياراً و150 مليون دولار، شاملة المساعدات الإنسانية ودعم البنك المركزي اليمني بثلاثة مليارات دولار، ولسوف يستمر هذا الجهد؛ لأن اليمن شقيق وهو امتداد لنا، واستقراره من استقرارنا.
والخلاصة أنه يحق لنا ونحن على أعتاب مرحلة جديدة في هذه الأزمة أن ننظر، بكل فخر واعتزاز، إلى أداء قواتنا المسلحة الباسلة، ويحق لنا أن نشير، بكل اعتداد، إلى جهود دولة الإمارات في تعزيز العملية السياسية ودعمها، والعمل على عدم فقدان الأمل فيها حتى في أحلك وأدق الظروف، فلولا الضغط العسكري للتحالف لاستمر الحوثي في غيه وعبثه، لقد كنا على مشارف الحديدة يوم جنحنا للسلام، وسوف نستمر شركاء آملين في التحالف، وملتزمين بأهدافه في المرحلة المقبلة؛ سعياً إلى إنجاح الحل السياسي الذي يقود اليمن إلى دروب الازدهار والاستقرار.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة