الأزمة التي يواجهها العراق هي الأحزاب الدينية الموالية لإيران والتي تستولي على السلطة، وهي عادة ما تدين للمذهب.
منذ تأسيس الدولة العراقية، كان ثمة حيادية تُمارس ضمن الحدود المعقولة، سواء انضمت إلى هذا المحور أو ذاك لأسباب تكتيكية أو استراتيجية ولكنها لم تكن طاغية على قرارها الوطني بأي شكل من الأشكال، وهذا يعني أن العراق لم يعرف التبعية أبداً، لكن الأمور تغيرت منذ عام 2003 من خلال ترسخ نظام المحاصصة الطائفية التي ضيعت القرار الوطني بسبب خلافاتها وتوجهاتها المذهبية، فانتشر كالمرض المعدي في مفاصل الدولة الجديدة التي تأسست أصلاً على المكونات والولاءات الغائبة في السابق.
في نهاية المطاف، يحتاج العراق إلى قرار مستقل وحيادي ووطني بعيداً عن التأثيرات الخارجية أياً كان مصدرها، وخاصة إذا كان إيرانياً معتمداً على المذهب ومبدأ المكونات وتقسيم المجتمع العراقي إلى خانات مذهبية تزيد من الصراع فيما بينها على أسس واهية.
إن الأزمة التي يواجهها العراق هي الأحزاب الدينية الموالية لإيران والتي تستولي على السلطة، وهي عادة ما تدين للمذهب، من دون بصيرة لمصالح العراق، وهكذا نشأت التبعية على أسس غامضة ومتخبطة، يعززها الجهل السائد في المجتمع العراقي بعد أن كان متنوراً إلى الأمس القريب، لا تزال هذه التبعية تجر الويلات لهذا البلد، والآن تجره إلى صراعها مع الولايات المتحدة، فالتوتر الحالي بين إيران والولايات المتحدة ينعكس سلباً على العراق ويؤدي إلى تهميشه أخيراً.
فإيران تظن وتتوهم بأن العراق سينقذها من العقوبات الأمريكية، ويمكنها بذلك من الالتفاف عليها والخروج منها سالمة ومعافاة، وهذا ليس سوى وهم يُضاف إلى أوهامها الكثيرة، إن الاعتماد على المليشيات لا تصب في مصلحة البلاد في نهاية المطاف؛ لأن الاقتصاد الإيراني قد أفلس ولا يمكن له أن يعود كما كان، وأولى بوادر هذا الإفلاس تضخم العملة إلى أضعاف لم تكن في الحسبان، ولهذا انعكاساته تصب على الاقتصاد العراقي، كما تعتقد إيران أن الولايات المتحدة سوف تسمح للعراق باستيراد الغاز والمشتقات النفطية والطاقة الكهربائية من إيران إلى الأبد، لكن هذا الاستثناء لن يدوم طويلاً، وعلى العراق البدء في الاعتماد على نفسها.
تحلم طهران بأن يُخرج العراق القوات الأمريكية من أراضيه، وقد طالبت بذلك مراراً، ولكنه في غاية الاستحالة، إيران تعتبر أمنها الوطني جزءاً من العراق، وكذلك الحكومات العراقية المتعاقبة، هذا إلى جانب أن الضغوطات هذه قد أدت إلى حرمان العراق من إقامة علاقات طبيعية ومتوازنة مع دول الجوار وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، كما جعلته يفقد بعده العروبي الوطني بسبب طغيان المذهبية المقيتة، صحيح أن للجغرافيا دورا كبيرا في السياسة، لكن التاريخ يمتد عميقاً في هذا البلد، ولا يمكن أن يتخلى العراق عن بعده التاريخي العروبي.
نتيجة لذلك تم عزل العراق عن محيطه العربي، وهو ما أدى بدوره إلى انهيار ودمار اقتصاده، لقد خنقت انعكاسات التبعية لإيران في الحياة الاجتماعية والاقتصادية الاقتصاد العراقي في جميع المجالات، وخاصة في مجالي الزراعة والصناعة، وكان لإيران هدف واضح من إضعاف العراق على هذه المستويات، حيث إنها عمدت من خلال أذرعها ومليشياتها إلى تفككيك المصانع العراقية الصغيرة والمتوسطة وبيعها لإيران بأسعار بخسة.
من الواضح أن المسؤولين العراقيين يمارسون سياسة مزدوجة غامضة وعسيرة على الفهم، وخاصة من قبل من دول الجوار، وهو ما أفقدها مصداقيتها بسبب تأرجحها وغموضها وفقدانها لمركز القرار، خاصة بعد إعادة هيكلة الحشد الشعبي ومليشياته في الجيش النظامي، وهو ما يعزز سيطرة المليشيات على الحكومة العراقية تماماً.
لقد كان من الأسهل تفكيك هذه المليشيات ودمجها في الحياة العمل والاقتصاد لا السلاح والقتال، بينما أدى قرار دمج المليشيات بالجيش النظامي لجعل العراق بعيداً عن الحيادية في مواقفه، ويزيد من قبضة إيران على القرار العراقي أكثر فأكثر.
تشير كل التحليلات إلى وجود لوبي إيراني في العراق، يفرض مخططاته على السياسة العراقية ويتحكم بقراراته من داخل الكواليس المظلمة من خلال سياسة إيران بين العصا والجزرة، وبين الحين والآخر، يظهر وجهها من وراء الأقنعة التي تبتكرها إيران من أجل خنق أنفاسه وإلى سنوات طويلة مقبلة، إنه نوع من التنويم السياسي إن صح التعبير، الذي يؤدي إلى الخدر والعمى.
في العمق، تنظر إيران إلى العراق بمثابة حديقة خلفية له، أو إقطاعية أو مجرد إقليم لها، كل ذلك من خلال سياسة الولي الفقيه التي لا تعني سوى مزيد من سياسة التبعية والخضوع، لا تتعامل إيران مع العراق على أساس أنها دولة ذات سيادة أبداً، وما يفاقم الأمر أن غطرستها وغموض سياستها، المزعزعة للاستقرار في المنطقة، تسهم أكثر فأكثر في إغراق العراق وإلحاقه في فلكها، في الوقت الذي يحتاج فيه العراق إلى قراره المستقل والاهتمام بمصالحه ومستقبله.
السؤال المطروح على الساسة العراقيين:
ألا توجد سياسة بديلة للتبعية لإيران؟ ألا يوجد مخرج آخر يضع أولويات العراق في الدرجة الأولى؟
وفي نهاية المطاف، يحتاج العراق إلى قرار مستقل وحيادي ووطني بعيداً عن التأثيرات الخارجية أياً كان مصدرها، وخاصة إذا كان إيرانياً معتمداً على المذهب ومبدأ المكونات وتقسيم المجتمع العراقي إلى خانات مذهبية تزيد من الصراع فيما بينها على أسس واهية. وينبغي على الحكومة العراقية تحديد موقفها ليس من الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، بل من جميع الأزمات للخروج من عنق الزجاجة والنظر إلى المجتمع العراقي نظرة وطنية وعروبية لا نظرة المكونات الدينية والسياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة