بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وعودة العقوبات على إيران، بدأ نظام الملالي في طهران بالبحث عن مخرج ينجيه من ثورة الشارع المحلي
يبدو أن الاتفاق النووي الإيراني الذي عقد بعد مفاوضات استمرت ١٨ شهرا، في الثاني من أبريل عام ٢٠١٥، بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وإيران، هذه الأيام في وضع حرج جدا، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي منه، والتصعيد الإيراني على مستوى المنطقة بشكل عام، ليعود إلى الواجهة من جديد الحديث عن صمود الاتفاق لا سيما بعد احتجاز البحرية الملكية البريطانية لناقلة نفط إيرانية، واعتراض قطع بحرية إيرانية لناقلة نفط بريطانية قبالة مضيق هرمز، في عمل استفزازي انتهى بانسحاب الإيرانيين ورجوعهم إلى مواقعهم دون المساس بالناقلة البريطانية.
الاتفاق النووي الذي وصف يوما باتفاق القرن، وعلى الرغم من الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة به، والاستفزازات الإيرانية التي نشطت في فترة من الفترات، سيبقى النظام في طهران متمسكا به، لكونه يدرك جيدا عدم قدرته على التخلي عنه أو الصمود في وجه قوى المجتمع الدولي
النظام الإيراني رغم محاولات الظهور إعلاميا بمظهر القوي فإن تحركاته ميدانيا وتحريك أذنابه على مستوى الدول التي ينشطون بها توحي بعكس ذلك تماما، فمن جهة ينشط إرهابيو الحوثي في استهداف المدنيين داخل اليمن وعلى الحدود السعودية اليمنية، وفي سوريا ولبنان لا تتوقف الشعارات الرنانة والعبارات اللاهبة عن الصدوح في حناجر إرهابيي حزب الله ومن معهم، وفي العراق الذي يحاول قادته النأي بالنفس عن الوضع في إيران، يعلو صوت بين حين وآخر مطالبا بالتعرض للمصالح الأمريكية في البلاد من جماعات إرهابية ومليشيات طائفية مسلحة تدين بالولاء للولي الفقيه في طهران، مع تحركات تبدو "شكلية" لقطعات عسكرية إيرانية في مياه الخليج العربي.
بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وعودة العقوبات على إيران، بدأ نظام الملالي في طهران بالبحث عن مخرج ينجيه من ثورة الشارع المحلي ضده، خاصة مع المعاناة التي يعيشها الإيرانيون أصلا جراء سياسات بلادهم التي تستهلك اقتصادهم لنشر الفوضى والخراب في المنطقة، فتوجهت أياديهم القذرة إلى استهداف ناقلات النفط في المياه الإقليمية لدول الجوار، ثم استهدفوا المدنيين والمطارات في المملكة العربية السعودية، حتى وصل بهم الأمر إلى إسقاط طائرة أمريكية مسيرة خارج الأجواء الإيرانية، وهو الفعل الذي جعل كل أركان النظام الإيراني يرتعدون خوفا من رد الفعل الأمريكي، الذي جاء بشكل لا يتوقعه أحد بعد تصريحات نارية من الرئيس الأمريكي، إلا أن ما حدث جعل الإيرانيين يتراجعون بشكل كبير عن تصعيدهم الذي كان يبدو عسكريا، ليبدأوا رحلة البحث بشغف عن حل سياسي مع أطراف الاتفاق الأوروبيين.
لقد شهدت التحركات الدبلوماسية التي نشطت في الأيام الماضية بدعوات وجهتها إيران إلى الأطراف الأوروبيين في الاتفاق النووي، نقلا لرسائل واضحة من الجانب الإيراني إلى الولايات المتحدة، بأن طهران لا ترغب في التصعيد بل تسعى للخروج من أزمتها التي تفاقمت مع إعادة تطبيق العقوبات الأمريكية، وأنها تريد من جانبها مفاوضات بلا شروط مسبقة، أي قبل رفع العقوبات ودون العودة إلى الاتفاق، أما طهران فالحد الأدنى لديها هو عودة واشنطن عن العقوبات، الأمر الذي يوحي بأن النشاط السياسي الإيراني سيكون مكثفا في الفترة المقبلة لمحاولة إقناع الأمريكيين بالعودة إلى الاتفاق النووي، مع تأكدهم أن أي تحركات أو تصعيد يأخذ منحا عسكريا سيواجه برد رادع من المجتمع الدولي الذي اقتنع بالأدلة والبراهين أن طهران تشكل تهديدا حقيقيا للملاحة العالمية.
الاتفاق النووي الذي وصف يوما باتفاق القرن، وعلى الرغم من الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة به والاستفزازات الإيرانية التي نشطت في فترة من الفترات، سيبقى النظام في طهران متمسكا به، لكونه يدرك جيدا عدم قدرته على التخلي عنه أو الصمود في وجه قوى المجتمع الدولي، والتي لن تسمح باستمرار التهديدات الإيرانية للأمن والسلم والاقتصاد والتجارة على مستوى العالم، خاصة مع عبثها المستمر في واحد من أهم الممرات التجارية العالمية، وكما صرح المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية بأن "تهديد حرية الملاحة الدولية يستلزم حلا دوليا، والاقتصاد العالمي يعتمد على التدفق الحر للتجارة ومن الواجب على كل الدول حماية وصيانة هذا العنصر الحيوي للازدهار العالمي"، وهو أمر تعلم طهران تماما أنه ليس بالسهل تجاوزه أو التجاوز عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة