أهل العنتريات على الجانب الآخر، اهتزت فرائصهم من دون أن يكتشفوا هزال ما هم فيه.
حصلت الإمارات، في مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على ما لا يُقدر بثمن، وإذا نظرت إليه من أبعاده المختلفة، فلسوف يكون بوسعك، أن تكتشف أن ذلك الثمن كبير إلى درجة أن اليمين الإسرائيلي المتطرف هاجمه واعتبره خيانة وجريمة وهدد بالعقاب.
لماذا يفعل اليمين الصهيوني ذلك؟
عرش المشروع التوسعي هو الذي أصابه "الاتفاق الثلاثي" بمقتل. النزعات الاستيطانية الإسرائيلية تلقت صفعة على الوجه، ثم أصبح لدولة إسرائيل التي لا تعرف ما هي حدودها، أصبحت لها حدود ليست مكتملة بعد، إلا أنها بمقدار ما يتعلق الأمر بالضفة الغربية وغور الأردن، أو بما يعني كل مناطق "أ" و"ب" و"ج" بحسب توصيفات اتفاقات أوسلو، وضعت حدودا لا يُفترض بإسرائيل أن تتعداها. فإذا لم يكن ذلك بمثابة تكريس عملي لحقوق الفلسطينيين في هذه الأراضي، وإقرار ملموس بهذا الجانب من حدود الدولة الفلسطينية، فلا أحد سيعرف كيف يمكن لأي تكريس وإقرار أن يكون.
اليمين الإسرائيلي اكتشف هزال تطلعاته، فارتعدت فرائصه حيال الاتفاق. سوى أن أهل العنتريات على الجانب الآخر، اهتزت فرائصهم من دون أن يكتشفوا هزال ما هم فيه، ولا قالوا لنا كيف كان بوسعهم أن يحفظوا للفلسطينيين تلك الحقوق.
لقد كانت السلطة الفلسطينية نفسها على حافة هاوية، والأرض كادت أن تضيع، وعلت مشاعر الإحباط من كل صوب، وكانوا هم يتفرجون.
أولئك المرتعدة فرائصهم، إنما راهن كل طرف فيهم، على ما يكرس العجز، وعلى تاريخ مديد من الفشل، كان هو الذي سمح لإسرائيل أن تواصل سياسات القضم التدريجي للأراضي الفلسطينية.
وعندما تم وضع الحد لهذا، ثارت الغرائز، ولكن ليس لحماية الحقوق، وإنما لحماية الفشل الذي أصبح عادة، ومن أجل اللوذ خلف ستار من الكلام الذي لا يغني من فقر ولا يُسمن من جوع.
هل لم يكن للإمارات مصالحها الخاصة في الاتفاق؟
بلى، ولكن لماذا لا يجب أن يكون لها مصالح، كأي دولة أخرى في الدنيا؟ وهل ثقافة المرتعدة فرائصهم تستوجب ألا تكون لأحد مصالح؟ ما هو المنطق خلف أن تكون ضحية دائما، أو أن تقدم الخسارة على الربح؟
لقد مرت سلسلة طويلة من العقود على شعار "كل شيء من أجل المعركة"، فخسرنا كل شيء ولم نكسب المعركة.
أهذا هو المطلوب حصرا؟ هل الهزيمة والفشل هما القدر الذي يتعين أن نتعايش معه؟ ومن بعد ذلك، فماذا يمكن للنتيجة أن تكون؟
لم تكف ملايين المرات من القول إن الضعف والفقر والاستبداد لا يصنع تقدما، ولا يوفر منعة، ولا يخدم القضية المركزية. وظلت الأيام تترى، والدليل يتلو الدليل، ولكن أهل الشعارات الفارغة، المطمئنة قلوبهم إلى العادة البليدة واللوذ الآمن خلف الفشل، لم يقتنعوا بأن الحاجة باتت ماسة للأخذ برؤية جديدة.
إنسَ الإمارات. أيهما يخدم القضية الفلسطينية أكثر، دولة عربية ضعيفة، بلا طموح، ولا دور إقليمي فعال، أم قوية، تقتحم غمار معترك البناء والإصلاح، وتتصرف بثقة وإيمان متين بالحقوق؟
ولو شاءت تلك الدولة العربية القوية، بدورها ومكانتها أن تحصل على صفقة ترد الجولان لسوريا، أو الأقصى للفلسطينيين، أفهل لن تكون هي ذاتها التي نعرف كأرض جهاد وتحرير أو دولة الشهداء؟
وإذا اكتشفنا من بعد ذلك أن لها مصالحها الخاصة، أفهل يجوز للفرائص أن ترتعد؟
ما هي الحكمة من النفاق إذن؟ وما الذي يُضايق المرتعدة فرائصهم؟
ما يثير الضيق بسيط، هو أن العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، جاءت لتثمر بديلا لصفقة القرن، وتوقف مشروع الضم، وتهز عروش اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتقتفي الربح لا الخسارة، ولم تُعقد في ظلام الليل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة