الإمارات موقفها ثابت ودائماً ما كنت تعمل بشفافية وصدق ولا يمكن المزايدة على مواقفها، ليس فقط في الملف الفلسطيني بل في ملفات عدة.
لا يمكن أن تنعم الشعوب بالسلام ونحن ندور في فلك صراعات تاريخية تشوبها الكثير من وهمية التمسك وضبابية المشهد، حتى وإن كان صراعا شرعيا، خاصة وأن مسار التمسك بها يختلف من طرف إلى آخر. هناك من يرى في هذه الصراعات الغطاء الذي يحقق من خلاله أهدافا ليس لها صلة في الصراع سوى المتاجرة به، وقد شهدنا مثل هذه الحالة في كثير من المواقف ومن أطراف عدة، ترى في القضية الفلسطينية بمفهومها الديني وعمقها العاطفي ملفا يمكن الاستثمار به بشكل مجز من خلال توظيفها لغايات سياسية وإعلامية ومالية ليس لها أي تأثير إيجابي أو صادق في القضية، لذلك ترى هذه الأطراف أن أي مؤشر تهدئة للصراع ليس في صالح أجنداتها وبالتالي ترفضه وتهاجمه. إلا أن الإمارات أدركت من أن بناء عالم ينعم بالسلام يتطلب اتخاذ خطوات واقعية لتحقيق استقرار حقيقي للشعب الفلسطيني والعمل على إعطائهم أملاً جديداً يضمن لهم حقهم المشروع في إقامة دولتهم.
بهكذا مبادرة ماذا قدمت الإمارات للقضية الفلسطينية!؟
سنتناول المسألة من منظورها الواقعي المتجرد من التأثير العاطفي الوهمي، البعيد عن باب التنظير العقيم، نحن لسنا في صدد الدفاع عن الجانب الإسرائيلي الذي لا شك أنه محتل أرض لا حقّ له فيها، ولكن لنتناول الملف من منظوره الواقعي.
الشعب الفلسطيني يعيش معاناة متواصلة منذ سبعة عقود، وأتت لمتخذي قراراته ولداعميه الكثير من الفرص التي لم تستغل بالشكل المطلوب، وكان دائما الخاسر الأكبر في القضية هم أجيال من الشعب الفلسطيني. ولكن السؤال، إلى متى سنستمر في خسارة هذا الصراع ولا يوجد طرف حقيقي يدعم قضيته بفائدة مرجوة؟!. لن أتطرق لفرضيات وأحداث مختلفة كانت سببا بشكل ما في خسارة الصراع الفلسطيني على مر التاريخ، يجب أن يدرك الجميع أن الإمارات ارتأت أنها تملك قوة الأداة الدبلوماسية وجرأة القرار السياسي الذي من شأنه أن يدعم بشكل حقيقي الملف الفلسطيني وهذا ما أثبتته من خلال قرارها. فبه أوقفت خطة الضم الإسرائيلية، وأنقذت 30% من الأراضي الفلسطينية، وأكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا معرضين للتهجير تأثراً بالخطة، وبثّت الأمل في المسار التفاوضي للوصول للسلام بعد نحو 3 عقود من المفاوضات غير المجدية. ويبقى على الأطراف الفلسطينية الاستفادة من ذلك وفتح قنوات حوار جادة وواقعية.
هل تخلت الإمارات عن موقفها؟
الإمارات موقفها ثابت ودائماً ما كنت تعمل بشفافية وصدق ولا يمكن المزايدة على مواقفها، ليس فقط في الملف الفلسطيني بل في ملفات عدة، كانت طرفا داعما للاستقرار والتاريخ يشهد على ذلك، ولكن ما يميز سياستها عن غيرها أنها تتبنى دائماً واقعية الحلول الدبلوماسية والسياسية التي لا يجرؤ الكثيرون على الأخذ بها بشكل علني.
ومن خلال قياس واقعية الملف الفلسطيني، ما هي قدرات الشعب الفلسطيني وإمكانياته في مواجهة الخطط الإسرائيلية؟!، ولنضع هنا الأطراف المتاجرة بالقضية خارج الملف فأجنداتهم مكشوفة ولا تغطى بغربال، القضية الفلسطينية دائماً ما تجد حولها الأطر الدولية دول تُدين لها ومنظمات تدافع عنها ولكنها كلها جهات تنسيقية أو تعاونية، جهات لا تستطيع أن تحسم صراعا بين دول قوية وأخرى ضعيفة، فالأمر محكوم دائماً بمعادلات القوة وبواقعية لا يمكن لأي جهة دولية أن تنتصر للقانون الدولي في أي صراع به دول قوية وفي مواجهة قضية دولة أكثر من يلتف حولها من المتاجرين بها. وخطة السلام الإسرائيلية نفسها رفضها الكثير وندد بها ولكن ماذا بعد؟، تنديد لم يغير من شكل الملف شيئا، حتى أتت الإمارات لتؤكد من خلال مبادرتها وجرأة قرارها السياسي أن المدرسة الواقعية في فهم العلاقات الدولية هي الأكثر قدرة على تحليل الأحداث الدولية لوضع الحلول المناسبة خصوصاً حينما يتعلق الأمر بصراعات غير متكافئة.
معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل انتصار للواقعية السياسية على سياسة الشعارات الوهمية والمتاجرة الفارغة. فقد خضنا سبع عقود من الصراع مع إسرائيل ورفضنا كل فرص الحوار وكانت النتائج دائماً ضد استقرار الشعب الفلسطيني.
قضية الإمارات الأساسية هي السلام وليس الحرب، لذلك فإن المصلحة العامة للاستقرار تقتضي مقاربات أكثر واقعية مع إسرائيل ولايمكن أن نظل حبيسي الأفكار الإنشائية من العداوة والصراع غير المجدي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة