الإمارات والسعودية.. مصير مشترك وشراكة استراتيجية عبر الزمن
ترتكن العلاقات الإماراتية السعودية على وحدة الهدف والمصير المشترك كأساس رصين ارتقى بالتعاون بين الجانبين إلى حد الشراكة الاستراتيجية.
مع بدء العد التنازلي لانطلاق فعاليات اليوم الوطني الـ48، والاستعداد للعرض الأضخم الذي يستضيفه استاد مدينة زايد الرياضية في 2 ديسمبر/كانون الأول المقبل، كانت دولة الإمارات على موعد مع زيارة رسمية لولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، اليوم.
وكشفت تغريدة الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، سفير الإمارات بالسعودية، على موقع تويتر، أمس، عن احتفاء الإمارات قيادة وشعباً بزيارة ولي العهد السعودي، وجاء فيها "غداً يوم تاريخي ومبارك في مسيرة العلاقات السعودية الإماراتية، تتطلع دار زايد إلى زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة، بكل ترحيب واعتزاز.. أهلًا ومرحباً يقولها كل بيت إماراتي ترحيباً بزيارته إلى بلده وأهله". هذه الحفاوة الصادقة كاشفة بوضوح عن عمق ومتانة العلاقات الإماراتية السعودية التي ترتكن على وحدة الهدف والمصير المشترك كأساس رصين ارتقى بالتعاون بين الجانبين إلى حد الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تغلّب المصلحة والاعتبارات الجماعية على أي اعتبارات تنافسية أو أي محاولات تبتغي شق وحدة الصف.
تنسيق كبير مع الإمارات لزيادة التعاون الاستثماري
عبر سفير دولة الإمارات لدى المملكة السعودية الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، في تصريحات نشرت بالصحافة العربية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، عن عمق ومتانة العلاقات الإماراتية السعودية، باعتبارها أنها علاقات تاريخية متجذرة بين البلدين قيادة وشعباً. وهذه العلاقات صاغتها الرؤية المشتركة والإرادة السياسية التي دائماً ما تنظر للعلاقات بين الدولتين باعتبارها شراكة "فوق استراتيجية"، وخلال السنوات القليلة الماضية، اتخذت المملكة السعودية ودولة الإمارات خطوات جادة وملموسة لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك في أكثر من ملف أحدثت أثراً بالغاً في تعزيز التفاهم والرؤية الموحدة بين الدولتين، نذكر أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: تشكيل لجنة للتعاون والتنسيق المشترك بين دولة الإمارات والمملكة السعودية برئاسة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، وكان ذلك بناءً على قرار أصدره رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، مطلع ديسمبر/كانون الأول لعام 2017، لتعزيز التنسيق بين البلدين في جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية وغيرها من المجالات التي تقتضيها مصلحة البلدين. وقبيل هذا القرار ببضع سنوات، جرى الاتفاق على تدشين لجنة عليا مشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، لتنفيذ رؤية القيادة الإماراتية – السعودية فيما يتصل بمواجهة التحديات في المنطق في إطار كيان قوي متماسك، بغية الوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمناً واستقراراً لمواجهة التحديات في المنطقة. وقد جاء هذا القرار بعد استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل، الذي نقل رسالة من الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، تتعلق بتوطئة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتوثيقها على الأصعدة كافة.
ثانياً: إنشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي في مايو/أيار عام 2016، وذلك بتوجيه من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد والملك سلمان بن عبدالعزيز، وذلك لتنسيق التعاون في العديد من المجالات؛ أبرزها الاقتصاد والتنمية البشرية والتكامل السياسي والأمني وصولاً لتحقيق الرفاه الاجتماعي في كلا الدولتين. وخلال الاجتماع الثاني لتأسيس المجلس في أبريل/نيسان المنصرم بالعاصمة السعودية الرياض، أعلن عن تشكيل سبع لجان تكاملية وتنفيذية، يرأس كل منها وزيران من الجانبين، لحفز التعاون وصولاً لأعلى مستويات التكامل بين الدولتين، ألا وهي لجنة المال والاستثمار، ولجنة الطاقة والصناعة، ولجنة البيئة والإسكان، ولجنة السياحة والإعلام، بالإضافة إلى لجنة التنمية البشرية، واللجنة السياسية، واللجنة العسكرية والأمنية.
خبراء: استراتيجية العزم ترتكز على تفاهمات سعودية إماراتية قوية
وقبيل هذا القرار ببضع سنوات، جرى الاتفاق على تدشين لجنة عليا مشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين لتنفيذ رؤية القيادة الإماراتية – السعودية فيما يتصل بمواجهة التحديات في المنطق في إطار كيان قوي متماسك، بغية الوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمناً واستقراراً لمواجهة التحديات في المنطقة. وقد جاء هذا القرار بعد استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل، الذي نقل رسالة من الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز تتعلق بتوطئة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتوثيقها على الأصعدة كافة.
فضلاً عن ذلك، طرحت مجموعة من المبادرات الاستراتيجية لعل أهمها تفعيل السوق المشتركة، واستراتيجية موحدة للأمن الغذائي، وتطوير رؤية مشتركة للسياحة، وإنشاء مجلس الشباب السعودي الإماراتي، وإنشاء اللجنة المشتركة للتعاون الإعلامي، وتطوير استراتيجية الأمن السيبراني، وإنشاء لجنة مشتركة لترويج السلع والصناعات عالمياً.
ثالثاً: طرح استراتيجية "العزم"، التي كانت أبرز مخرجات الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي بمدينة جدة في يونيو/حزيران لعام 2018. واعتُبِرت الاستراتيجية بمثابة آلية عمل مشتركة بين الدولتين خلال السنوات الخمس المقبلة. وتصبو الاستراتيجية إلى خلق نموذج استثنائي للتعاون والتكامل بين البلدين عبر حزمة من المشروعات الاستراتيجية التي تخدم كل محور من المحاور الثلاثة للاستراتيجية وهي: المحور الاقتصادي، والمحور البشري والمعرفي، والمحور السياسي والأمني والعسكري.
استراتيجية "الخندق الواحد"
إن الخطوات سالفة الذكر التي اتخذتها الدولتان للوصول بالتنسيق والتعاون إلى أعلى درجات التكامل والشراكة، ما هي إلا ترجمة فعلية لرؤية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي أكد غير ذي مرة أن الشراكة القائمة بين الإمارات والسعودية هي شراكة "الخندق الواحد" في مواجهة التحديات المحيطة، وأن الهدف الذي يجمع الدولتين هو أمن السعودية والإمارات واستقرار المنطقة. والخندق الواحد يقصد به المصير المشترك، فأي تهديد يواجه إحدى الدولتين يستوجب بالضرورة أعلى درجات التنسيق والتعاون بينهما لمواجهته. وقد تُرجمت مقوله الشيخ محمد بن زايد بشكل فعلي في عاصفة الحزم، لدحر نفوذ جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن وإعادة الشرعية.
التحالف السعودي الإماراتي العسكري ارتكن، ولا يزال، على مجموعة من الأسس والمرتكزات لعل في مقدمتها التوافق والتفاهم الاستراتيجي والرؤية المشتركة إزاء ليس فقط ملف اليمن وإنما جملة الملفات الساخنة بالمنطقة، خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى ذلك، ثمة إدراك مشترك لجملة التحديات الأمنية التي تواجه دول المنطقة، فهناك اتفاق في وجهتي نظر المملكة السعودية ودولة الإمارات حول حجم هذه التحديات والإجراءات التي يجب اتخاذها من أجل مجابهتها.
ويجمع المملكة السعودية ودولة الإمارات دائماً تغليب المصلحة الجماعية وصيغ التعاون الأمني والعسكري على المنافسة، وهذه النقطة تحديداً مكنت الدولتين من الحفاظ على وحدة الصف إزاء أي محاولات لشقها أو ثنيهما عن مواجهة التحديات والوقوف أمام أي محاولات لتهديد الأمن الخليجي. وقد ترجم التحالف السعودي الإماراتي تلك الأسس التي هي بالأساس بمثابة شروط لا بد من توافرها في أي تحالف استراتيجي ناجح. وهذه الأسس لها أرضية راسخة تتمثل في الإرادة السياسية الواعية بوحدة المصير والهدف إزاء التهديدات الأمنية التي تواجه دول المنطقة قاطبة.
تعاون اقتصادي في أزهى عصوره
إن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات والسعودية حققت، ولا تزال، منافع ومكتسبات للجانبين يمكن ترجمتها في أرقام حال التطرق إلى التعاون الاقتصادي بين الجانبيْن وحجم التبادل التجاري بينهما، إذ تُعد السعودية رابع أكبر شريك تجاري للإمارات على مستوى دول العالم، والأول على مستوى الخليج والمنطقة العربية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من العام 2018 نحو 38.4 مليار درهم، وبحسب التصريحات الرسمية للمسئولين من كلا الجانبيْن، فإن الدولتين تجمعهما رؤية اقتصادية مشتركة تستهدف تحقيق النمو المستدام وتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، كي يصبحا من كبرى اقتصادات العالم.
واستطاعت المملكة السعودية القفز إلى المرتبة الثالثة عالمياً في قائمة أكبر الشركاء التجاريين للإمارات خلال عام 2018، واستحوذت على نحو 7% من تجارة الإمارات غير النفطية مع العالم و25% من التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات مع الدول العربية، إذ وصلت المملكة إلى قائمة أهم مستقبلي الصادرات الإماراتية خلال عام 2018.
وقد أوضح وزير الاقتصاد الإماراتي "سلطان المنصوري" في وقت سابق أن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين دولة الإمارات والسعودية، خلال السنوات الخمس الماضية، وصل إلى 417.6 مليار درهم أي ما يعادل 113.6 مليار دولار، مقابل 107.4 مليار درهم (29.2 مليار دولار) العام الماضي، بنمو 35% عن عام 2017 البالغ 79.2 مليار درهم (21.5 مليار دولار) مؤكداً أن هذه الأرقام كاشفة بوضوح عن قوة الشراكة الاستراتيجية ووحدة الرؤى بين البلدين في كل المجالات التنموية.
وتعتبر الإمارات أهم شريك تجاري عربي للسعودية والثاني عالمياً؛ إذ تستحوذ على 10% من إجمالي تجارة السعودية غير النفطية مع العالم وما يقترب من نصف تجارتها مع الدول العربية، فضلاً عن ذلك، تُعَد الإمارات في صدارة الدول المستثمرة في المملكة بقيمة إجمالية تزيد على 34 مليار درهم، أي ما يعادل 9.2 مليار دولار، وهناك ما يربو على الـ65 شركة ومجموعة استثمارية بارزة في الإمارات تنفذ مشاريع كبرى في السعودية. وقد تجاوز رصيد الاستثمارات السعودية المباشرة في دولة الإمارات حاجز الـ16 مليار درهم أي ما يناهز الـ4.3 مليار دولار، وهناك نحو 26 شركة سعودية عاملة في قطاعات استثمارية مختلفة مسجلة في دولة الإمارات.
وختاماً، فإن العلاقات الإماراتية السعودية التي ارتقت إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، هي علاقات قامت على أرضية صلبة وأسس راسخة تضرب بقوة في عمق الزمن. وشراكة مبينة على وحدة الهدف والمصير المشترك والرؤية المقدرة لحجم التحديات الراهنة التي تواجه المنطقة التي غدت واحدة من البؤر الأكثر اشتعالاً على مستوى العالم. وتعاون الدولتين كاشف بوضوح لروح الأخوة والترابط بينهما قيادة وشعباً، ولا أدل على ذلك من إطلاق الشيخ محمد بن زايد اسم "مدينة الرياض" على أضخم مشروع إسكاني في العاصمة الإماراتية، وذلك تيمناً باسم العاصمة السعودية في لفتة إنسانية تؤكد لُحْمة الدولتين واندماجهما معاً حتى باتا نموذجاً يُحتذى به في العلاقات بين دول المنطقة العربية.