ليس خافياً اليوم شكل التحولات السياسية التي تعاني منها المنطقة والعالم.
إذ نعيش في عالم يسوده الاضطراب، وتتبدل بشكل مستمر التحالفات، وتتغير موازين القوى، في وقت تظل فيه العلاقة الإماراتية الأردنية تثبت قدرتها على التكيف مع هذه التحولات، بل وصياغة أدوار أكثر تأثيراً في المشهدين العربي والدولي.
لقد تابعت من كثب، كما كثير من المراقبين، النهج المتزن الذي تتبناه كل من أبوظبي وعمان في مقاربة الأزمات الإقليمية والدولية، وهي علاقة لم تكن يوماً علاقة ظرفية أو مصلحية مؤقتة، بل شراكة استراتيجية قائمة على رؤى سياسية متناغمة، تحكمها الثقة المتبادلة، والحرص المشترك على أمن واستقرار الإقليم.
ما يجمع البلدين اليوم يتجاوز البعد الثنائي التقليدي؛ ففي كل مرة تتعرض فيها المنطقة لاهتزازات، تثبت القيادتان؛ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأخاه الملك عبدالله الثاني بن الحسين، أنهما يمتلكان رؤية استباقية قادرة على امتصاص الصدمات، وتعزيز مقومات الاستقرار.
وهنا يكفي أن نستعرض مواقف البلدين إزاء ملفات حساسة مثل القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، والحرب في اليمن، لندرك حجم التنسيق السياسي الذي يجري خلف الكواليس، بعيداً عن الضجيج الإعلامي.
إن مستقبل العلاقة في ظل المتغيرات الدولية اليوم، وفي ظل التحولات العميقة التي يشهدها النظام الدولي، من تراجع دور القوى التقليدية إلى تصاعد أدوار الفواعل الإقليمية، سيدفع بأن يكون التقارب بين البلدين أكثر حيوية.
كما أن التحديات القادمة - من أمن الطاقة والغذاء إلى التغير المناخي والأمن السيبراني - تفرض على الدول العربية البحث عن شراكات حقيقية، تقوم على مبدأ "تقاسم الأعباء وتقاسم الفرص"، وهنا، تبدو الشراكة بين البلدين مهيأة للانتقال إلى مرحلة أكثر مؤسسية، عبر إطلاق مشاريع استراتيجية مشتركة، وتوحيد المواقف في المنصات الإقليمية والدولية.
وفي ظل كل هذه المتغيرات، سيتوسع دور البلدين ليشمل إعادة صياغة مفهوم الأمن الإقليمي عبر مبادرات سياسية تركز على التنمية المستدامة بدلاً من المقاربات الأمنية البحتة، ودعم الأطر العربية الجامعة، والمساهمة في بلورة نظام عربي متوازن، وبناء تحالفات ذكية مع القوى الصاعدة مثل الصين والهند، دون التفريط بالتحالفات التقليدية مع الغرب.
في ظل المشهد الدولي المضطرب، تتحمل عمان وأبوظبي مسؤولية مضاعفة في حماية الاستقرار العربي، ليس فقط عبر تعزيز شراكتهما الثنائية، بل عبر قيادة مبادرات جماعية تعيد للعرب وزنهم ومكانتهم على الساحة الدولية.
ولكن أثبتت التجربة أن التحالفات المبنية على رؤية استراتيجية وقيم مشتركة تستطيع أن تصمد، بل وتزدهر، مهما اشتدت العواصف، وهذا بالضبط ما يعول عليه صناع القرار اليوم: وهو بناء تكتلات عربية قادرة على صناعة المستقبل، لا مجرد التفاعل مع تداعياته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة