"التنوير الإسلامي".. كتاب يوثق للحداثة والتدين في الشرق
كريستوفر دو بلليج صحفي متخصص في شؤون الشرق الأوسط يبحث في جذور التنوير الإسلامي خارج مسار الحداثة الغربية
صدر مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة كتاب "التنوير الإسلامي الصراع بين الدين والعقل في العصر الحديث"، لمؤلفه كريستوفر دو بليج وترجمة بدر الرفاعي، وهو الكتاب الذي يعد استكمالاً لجهود إدوارد سعيد في تأصيل التنوير العربي والإسلامي في كتابه الرئيسي "الاستشراق"، لكنه يعتمد منهجية سردية مختلفة، تبدو أكثر بساطة.
يدافع بليج في كتابه عن الحضارة الإسلامية نافياً الاتهامات التي تطالها من افتقار للحداثة ويوثّق مراحل ما وصفه بالتحول في اتجاه البحث عن التنوير من منظور إسلامي، فالكتاب كما يراه مؤلفه هو الأول باللغة الإنجليزية الذي يتوجه إلى القارئ العادي ويدعو إلى التحرر من أثر الرؤى الغربية للتاريخ، ورؤية ما حققه مسلمون في الغرب من نجاحات.
ويقول المؤلف إن اتهام الحضارة الإسلامية بالافتقار إلى الحداثة وإلى نمط من الإصلاح يؤدي إلى طريق مسدود، لأن من يتبنون هذه الفكرة يتجاهلون النجاحات التي حققها مسلمون يعيشون في الغرب ونجحوا تماما في الاندماج داخل مجتمعاته، ودمج القيم الحديثة للتسامح والتجريب وتطبيع الإيمان دون الاعتداء على حريات الآخرين.
ويضيف أنه "في زمن يتبنى فيه البعض الأعمال الوحشية باسم الإسلام، فإن قدرتنا على تقييم الحضارة الإسلامية تضعف بفعل المغالطات التاريخية التي روجت لها رؤية المؤرخين الغربيين"، ويجادل بليج في أن التنوير الإسلامي لم يحدث في الحقيقة بسبب الغرب، بل وجد شكله الخاص به، فمن غير المقبول إخضاع الحضارة الإسلامية لمنظور صاغته الحداثة الأوروبية في التحولات التي مرت بها أوروبا ابتداء من القرن الثامن عشر.
ويؤكد الكتاب كذلك أن الإسلام شهد خلال القرنين الثامن والتاسع عشر تحولا مؤلما ومنعشا شمل إصلاحا وتنويرا وثورة صناعية، وجرى كل ذلك في وقت واحد، لكن الغرب أخفق في إدراكه لكن قليلا من أبنائه جاء إلى الشرق الإسلامي بعقليات متفتحة لديها الاستعداد لتجاوز النظرة الضيقة للمفهوم الغربي عن التطور والتقدم.
ويوضح بليج الحاصل على درجة البكالوريوس والماجستير في الدراسات الشرقية من جامعة كامبردج، أن الشرق الذي كتب عنه الزوار الأوربيون في القرنين الماضيين كان مختلفاً تماماً في الحقيقة، مؤكداً أن المعرفة التي مررها الكتاب الأوروبيون إلى قرائهم في الغرب كانت ناقصة.
ويقر المؤلف بأن مبادئ الحداثة والتقدم وردتا إلى الشرق الأوسط من الغرب، وقوبلا برفض الكثيرين من المحافظين والرجعيين، إلا أنها في النهاية استقرت على فكرة "تحجيم الحداثة" وقصرها في سلسلة من الاقتراحات كان من شأنها "إحياء الإسلام" دون تغييره، لكن هذا النهج الانتقائي لم ينجح حسب زعم المؤلف لكنه استمر في تقديم اقتراحاته.
ويضرب بيليج مثالا بجملة التغييرات التي مرت بها المؤسسات الدينية في مصر منذ وصول الحملة الفرنسية في عام 1798 وحتى الآن، حيث ظهر من داخلها أسماء تحملت أقوى أعباء النهضة من أمثال رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده.
ويشير الكتاب إلى أنه مع حلول الحرب العالمية الأولى 1914 وبتأثير أمثال هؤلاء المشايخ وتلاميذهم كانت هناك مراكز فكرية رئيسية في الشرق الأوسط تشهد اتجاها تحديثيا لا يمكن تفاديه، ومن ثم كانت تلك السنوات هي نقطة التحول في صياغة مشروع التنوير الإسلامي، حيث تحركت المنطقة بحثا عن الحداثة لكنها تراجعت مع ظهور "أيديولوجيات المقاومة" أو ما يسميه الكتاب "التنوير المضاد".
ويتساءل الكتاب عن الدوافع التي دفعت بعض الأيديولوجيات المقاومة إلى العنف الديني وإحياء نزعة الرجعية من جديد، ويستعرض التغييرات التي رافقت سقوط نظام الشاه في إيران في عام 1979 وما تلاه من تنامٍ لتيارات متشددة ورجعية مما جعل وعود تلك التيارات بإحياء قيم التنوير تتبخر.
والمؤلف كريستوفر دي بيليج حصل على درجة البكالوريوس وماجستير في الدراسات الشرقية من جامعة كامبردج، ويسهم بالكتابة في صحيفة الجارديان، ومجلات نيويورك ريفيو أوف بوكس ونيويوركر.
ومترجم الكتاب بدر الرفاعي مترجم مصري معروف، درس الصحافة وعمل في عدة مؤسسات صحفية وترجم أكثر من 15 كتابا، أبرزها هوية مصر بين العرب والإسلام، لجرشونى جانكوفسكى، و"الميراث المر" لبول سالم، و"مصر الخديوية" عن المشروع القومي للترجمة، و"منظور جديد للفقر والتفاوت" وكتاب "الصناعات الإبداعية" الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة.