تغير المناخ من الأمم المتحدة إلى قمة "بياريتز"
تقرير للأمم المتحدة حاول إرسال رسائل إلى صانعي القرار في العالم لاتخاذ الاحتياطات وتبنى بدائل تجعل الحياة ممكنة على وجه الكرة الأرضية.
عندما كان الخبراء يحذرون من التغييرات المناخية التي يتعرض لها كوكب الأرض، وينبهون إلى المخاطر التي تحيط به، وضرورة مواجهتها، كان الكثير منا يستخفون بهذا الأمر.
كان البعض يرى ذلك نوعا من النزعة التي تنتمي لدعوات "نهاية العالم" والحياة على الأرض؛ كان ذلك منذ عدة عقود، ورغم هذه التحذيرات فلا يزال في العالم حتى الآن من القادة والسياسيين من يرى الأمر على هذا النحو.
لقد وضع تقرير الأمم المتحدة حول المناخ والتغيرات المناخية الذي صدر في الثامن من أغسطس عام 2019، النقاط على الحروف، وحاول إرسال رسائل إلى صانعي القرار في العالم لاتخاذ الاحتياطات وتبنى البدائل التي تجعل الحياة ممكنة على وجه الكرة الأرضية.
- قمة "الدول الصناعية" تحدد موقف أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ
- ماكرون: لا تراجع عن اتفاقية باريس للمناخ
قام بوضع هذا التقرير الذي تبلغ صفحاته 1200 صفحة، حوالي مائة من الباحثين والخبراء والعلماء من اثنتين وخمسين دولة، وغالبية هؤلاء الخبراء من الدول النامية، وقد خضع هذا التقرير لمناقشة متعمقة حول المفاهيم والمصطلحات التي تضمنها من قبل ممثلي 196 دولة، وهم أعضاء اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية.
يجمع هذا التقرير بين ثناياه بندين هما محور هذا التقرير، يتعلق البند الأول بتشخيص حالة الأرض إذا صح هذا التعبير، بينما يتعلق الثاني بالطرق والأساليب والحلول التي يمكن عن طريقها إنقاذ الكوكب، بل وإنقاذ الوجود الإنساني على ظهر الكوكب، وتجنب الكوارث والفقر والحفاظ على التوازن البيئي.
لفت التقرير الانتباه إلى المناطق والأقاليم التي تتعرض أكثر لمخاطر التغيرات المناخية والتي تقع في جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط والمناطق الصحراوية بالذات فيما يتعلق بشح المياه والفيضانات والتصحر.
أشار التقرير فيما يتعلق بالبند الأول أي ذلك المتعلق بتشخيص حالة الأرض، إلى ظواهر التصحر وحرائق الغابات التي تعتبر "رئة العالم" وارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مقارنة بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر، يضاف إلى ذلك انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن الاستخدام الكثيف للطاقة غير النظيفة أي البترول والغاز والفحم وارتباط هذه الانبعاثات بشبكات الإنتاج الغذائي وشبكات النقل والتوزيع والزراعات التي تعتمد عليها هذه الشبكات، وأن نسبة الانبعاثات المرتبطة بهذا القطاع تبلغ ما بين 21% إلى 37% من هذه الانبعاثات.
وفى هذا السياق يشير التقرير إلى الضغوط البشرية على الأرض من جراء ارتفاع النمو السكاني وعدد السكان على الصعيد العالمي، ونسبة استهلاك السلع للفرد، بالإضافة إلى عناصر أخرى تتعلق بالطاقة والمياه ساهمت في الاستخدام الكثيف لموارد الأرض والمياه، ويذكر التقرير أن حوالي 130 مليون كم2 من مساحة الأرض الخالية من الجليد، يخضع 70% منها للأنشطة الإنسانية الزراعية وتربية الماشية، التي تستهلك ما يقرب من 70% من المياه.
ويذهب التقرير إلى أن نمط الحياة على كوكب الأرض ونمط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك نمط الغذاء على الصعيد العالمي هما أحد جوانب المشكلة القائمة، وفيها تكمن بعض الحلول للظواهر المناخية.
ويطرح التقرير تصورات وحلول في المدى المنظور والطويل، يمكن لصانعي القرار البدء بها ومناقشتها وتبنيها والالتزام بها على الصعيد الدولي؛ لإنقاذ الأرض من سوء استخدام مواردها وإنقاذ الوجود الإنساني عليها والارتفاع بمستوى جودة الحياة وتحقيق برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
في المدى المنظور يؤكد التقرير على ضرورة خفض انبعاثات الكربون والغازات بشكل ملح، واعتبار ذلك حجر الزاوية في أية استراتيجية لمواجهة المخاطر التي تحيط بالكوكب، أو على الأقل الحفاظ على هذه الانبعاثات في مستواها الحالي إن تعذر تخفيضها، وهذا الإجراء يسبق أية حلول ممكنة بل ويدعم تحقيقها.
أما في المدى المتوسط والطويل فيوصي التقرير بتغيير نمط الغذاء العالمي السائد، والذي يستند إلى المنتجات الحيوانية والبروتين، واستبداله بنمط غذائي جديد وصحي يتكون من الحبوب والخضر والفاكهة، وتقليل وتخفيض الاعتماد على المنتجات الحيوانية والبروتين.
في ذات السياق يوصي التقرير بتبني نمط في الزراعة يزاوج بين الزراعة وبين الأشجار "L'agroforesterie"، لدعم قدرة الأرض على امتصاص الغازات وتخزينها، وكذلك زيادة الإنتاجية وتنويع الثقافات بالجمع بين المعارف التقليدية، والمعارف والتقنيات الحديثة، وذلك من خلال تمكين الفئات المهمشة والسكان الأصليين في العديد من البلدان من تملك الأرض وزراعتها، والمشاركة في المؤسسات والهيئات المحلية للمساهمة في صنع القرارات وإعادة بناء التوازن في الأنظمة البيئية المختلفة على ضوء ظروف كل منطقة ووفق المعايير المعروفة عالميا.
من ناحية أخرى يوصي التقرير بالحفاظ على الغابات وتقليص العدوان عليها واتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم نشوب الحرائق، والحد من تبديد الموارد المائية، وبالإضافة إلى ذلك يوصي التقرير بتقليص الاعتماد على الطاقة البترولية والاتجاه صوب استخدام الطاقة النظيفة أو ما يسميه"Bioenergie" ، وتبني أساليب للحد من تبديد الموارد خاصة في مجال السلع الغذائية.
هذه التوصيات تهدف في حال تبنيها من قبل صانعي القرار في مختلف الدول وعلى الصعيد العالمي، إلى الحد من تدهور حالة الأرض، واختلالات التوازن البيئي، واستعادة التوازن بين نمو الموارد واستغلالها وبين النمو السكاني، وتحقيق معدلات الرشد والعقلانية في استثمار موارد الأرض والأخذ في الاعتبار مصالح البشرية والإنسانية ككل، وليس مصالح كل دولة على حدة أو مصالح كبار الفاعلين في المؤسسات الاقتصادية والزراعية والصناعية المختلفة، وتامين متطلبات تحقيق الأمن الغذائي العالمي والقضاء على الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
إدارة الموارد الأرضية وحسن استغلالها واستثمارها لصالح الإنسانية، هو الرسالة الأساسية التي تضمنها تقرير مجموعة الخبراء البين حكومية حول تطور المناخ والتي وضعت هذا التقرير دون أي أزمات أو صدامات أو خلافات تحول دون إصداره.
والسؤال الآن هل يفتح هذا التقرير الطريق إلى خطوات عملية وسياسات دولية تمنح هذا الموضوع ما يستحقه من أهمية؟ أم أن مصيره قد يكون مماثلا للعديد من التقارير التي وضعتها المنظمة الدولية في السابق؟
الإجابة على هذا السؤال تتعلق بحساسية صانعي القرار وقدرتهم على استيعاب المعنى الكوني للتقرير والقيم الإنسانية المضمنة فيه، وسمو هذا المعنى على المصالح الضيقة والمتعارضة للدول والحكومات، على أساس أننا نعيش في كوكب واحد مترابط الأجزاء، ويعتمد مصيره على تعاون كافة الدول والجماعات، وأن الإضرار به لن يقتصر على منطقة دون أخرى بل يطول العالم أجمع، خاصة وأن بعض مظاهر ومخاطر أزمة المناخ أصبحت جلية للعيان فالجميع يشعر بها شرقا وغربا وإن بدرجات متفاوتة، فالحرارة تقتل العديد من الأشخاص في أوروبا كما تذهب الفيضانات بأرواح العديد من البشر في آسيا وغيرها ناهيك عن التصحر وحرائق الغابات وتزايد أعداد الفقراء والجوعى والمهاجرين واللاجئين نتيجة العديد من الكوارث الناتجة اختلال التوازن البيئي الطبيعي وسوء استخدام موارد الأرض.
في قمة "بيارتز" للسبعة الكبار، أدرج تغير المناخ على جدول الأعمال، وقد تزامنت حرائق الأمازون في البرازيل مع عقد القمة، وفرضت نفسها في اللحظة الأخيرة تحت عنوان "نداء الغابة والمحيط وفق تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهذا مؤشر في زيادة الاهتمام بالتغيرات المناخية قبل العالم.
من ناحية أخرى فقد وجهت العديد من الدول الأوروبية الانتقادات لرئيس البرازيل واتهمته بعدم الوفاء بتعهداته تجاه المناخ والبيئة، وهددت بعض الدول الأوروبية بعدم التصديق على الاتفاقية التجارية الضخمة مع دول أمريكا الجنوبية ما لم تفعل البرازيل المزيد لمكافحة حرائق الأمازون.