كيف ترك الهاجس البيئي بصمته على مهرجان "كان" السينمائي؟
يطبع الهاجس البيئي ببصمته مهرجان كان السينمائي هذه السنة، حيث يختزل الصناعة السينمائية المعتادة على البهرجة والأجواء الاحتفالية.
ويعتزم المهرجان الحدّ من بصمته الكربونية عبر مجموعة إجراءات، بينها الامتناع عن استخدام القناني البلاستيكية وفرص "تعويض" مالي على كل مشارك يأتي بالطائرة.
ومن المقرر أن تقام دورة هذا العام من مهرجان “كان” من 6 إلى 17 يوليو/تموز الجاري في مدينة كان الفرنسية.
ومع أن نجوماً عالميين كثراً، من ليوناردو دي كابريو إلى جولييت بينوش، اتخذوا في السنوات الأخيرة مواقف تحضّ على حماية البيئة، وكذلك صبّت أفلام عدة في خانة هذه القضية، تفتقر هذه الدعوات إلى الفاعلية في الواقع نظراً إلى أن الفن السابع لا يشكّل نموذجاً صالحاً في هذا المجال بفعل استهلاكه موارد كثيرة وعمليات تصوير الأفلام عبر القارات.
وتجسّد المهرجانات السينمائية هذا التناقض، إذ تلوث البيئة بطائرات النجوم المشاركين فيها والسيارات التي تستخدمها لنقلهم، وجبال النفايات التي تخلّفها في بضعة أيام، رغم إقبالها على عرض أفلام تتبنى القضية البيئية، كأفلام نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور عن كارثة المناخ التي سبق أن عرضت ضمن مهرجان كان.
وأكد أهم مهرجان سينمائي في العالم هذه السنة أنه يضع حماية البيئة "في صميم اهتماماته"، نظراً إلى "الضرورة الملحّة" في هذا الشأن.
ومن هذا المنطلق، اتخذ المهرجان سلسلة إجراءات تهدف إلى الحدّ بحجم غير محدد من تسببه بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتوليده النفايات، إضافة إلى تخصيص قسم لعرض أفلام عن هذا الموضوع.
وفي هذا الإطار، ستكون معظم السيارات الرسمية كهربائية، وسيكون الاعتماد أكثر على وسائل النقل العام، أما الإجراء الأكثر رمزية فيتمثل في خفض الوزن الإجمالي للسجادة الحمراء المستخدمة إلى النصف، أي أنه سيكون أقل من المعتاد بـ 950 كيلوجراماً.
ولم يخفض المهرجان حجم الرحلات الجوية المرتبطة به والتي تعتبر أهم نقطة بيئية سوداء فيه، إذ تشكّل مع الإقامة 89 في المئة من بصمته الكربونية، ولكنه فرض على كل مشارك فيه يأتي بالطائرة دفع مساهمة قدرها نحو 20 يورو، على أن يسدد المهرجان الريع المتأتي من هذه المساهمات لمشاريع "تعويض موثوق بها ومناسبة" تختارها "لجنة علمية من خبراء مستقلين"، على ما أوضح المفوض العام للمهرجان تييري فريمو لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقال فريمو "نحن نسعى جاهدين إلى أن نكون قدوة".
ورغم كل شيء، يدرك المنظمون أنفسهم أن تنظيم مثل هذا الحدث العالمي أصبح يشكّل "تحدياً بيئياً"، لا يمكن حله "على الفور" ولكن من خلال إجراءات "متوسطة وطويلة الأجل".
"عمل ضخم"
ولاحظ المخرج والناشط سيريل ديون الذي يُعرض في المهرجان فيلمه الوثائقي "أنيمال" عن انهيار التنوع البيولوجي أن "ثمة عملاً ضخماً ينبغي القيام به"، لكنه اعتبر في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن النهج المتبع "مشجع جداً".
ورأى أن المهرجان "يطلق إشارة على الآخرين جميعاً أن يحذو حذوها".
ويأمل في "أن يشعر الممثلون أيضًا بأنهم ملزمون بالاهتمام وبالانتباه إلى بصمتهم البيئية".
وأشار إلى أن "هذه الإجراءات تعكس بدء عصر جديد في السينما".
فمسالة مراعاة البيئة باتت رائجة في عالم السينما برمّته، إذ على سبيل المثال لحظ تصوير أحد أجزاء سلسلة أفلام "سبايدرمان" إعادة تدوير أطنان من المواد المستخدمة فيه، في حين نسج مهرجان برلين سجادته الحمراء من شباك لصيد السمك أعيد تدويرها، أما في فرنسا، فستكون بعض المساعدات للقطاع مشروطة بتدابير بيئية بحلول سنة 2024.
ولكن في خضم أزمة المناخ ، هل من الجائز الاستمرار في جمع فرق عمل سينمائية ومنتجين وصحافيين من كل أنحاء العالم وسط أجواء احتفالية لحضور مهرجان؟
لاحظت كارول سكوتا من شركة "أو أي كور" الفرنسية المستقلة للإنتاج الشديدة الالتزام بالمسألة البيئية أن "ثمة تغييراً حقيقياً في العقلية، ولكن الأمر معقد بالنسبة لمهرجان كان الذي يجب أن يحافظ على مستوى احتفالي معين كأهم مهرجان سينمائي في العالم".
وأقرّت بأن تجوّل العاملين في قطاع السينما كل سنة في أنحاء العالم، من كان إلى البندقية إلى ساندانس وبرلين، "ليس جيداً للكوكب"، وخصوصاً أن الجائحة "علمتنا أن في الإمكان القيام بذلك بطريقة مختلفة"، من خلال اعتماد صيغة غير حضورية لبعض اللقاءات أو الجلسات.
أما مدير مهرجان "ليزارك" السينمائي في جبال الألب غيّوم كالو الذي يعمل على وضع ميثاق للمهرجانات الدولية في هذا المجال، فرأى أن "تنظيم أي شيء يؤدي حتماً إلى تلوث"، لكنه شدد على أن للسينما "قوة إيجابية"، كما مثلاً "عندما يأتي 20 ألف شخص لمشاهدة فيلم، ويغادرون مقتنعين".
aXA6IDMuMTQzLjIzNS4xMDQg جزيرة ام اند امز