بعد تشابكات وأزمات محتدمة يعشيها العالم منذ فجر 1 يناير 2020، لن أستغرب إذا حلَّ يناير 2023 بكارثة اقتصادية أو وباء أو حرب عالمية.
منذ الحرب العالمية الثانية لم يشهد العالم أحداثا مجتمعة، كالتي عاصرناها خلال العامين الماضيين، إذ سببت جائحة كورونا أكبر حالة ركود اقتصادي منذ عام 1945، تبعتها موجة تضخمية حادة لم تحدث منذ سبعينيات القرن الماضي.
في الماضي، كانت أقصى طموحات الدول أن تحافظ على نموها الاقتصادي، وأن تعمل على تحقيق معدل آمن ثابت من التنمية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كافة، إلا أن هذه التركيبة تغيرت واختلفت اهتمامات الدول وأولوياتها الاقتصادية، ليس لمحاصرة الركود المرتقب ولا التضخم الفاحش، بل أصبحت مواجهة تغير المناخ الهم الأكبر.
أكبر درجة حرارة شهدها كوكب الأرض كانت خلال 2016، وهو العام الأكثر سخونة على الإطلاق عالميا حتى الآن، عندما كان متوسط درجة الحرارة نحو 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، أي خلال الفترة بين عامي 1850 و1900م.. وهذه كارثة.
الكارثة الأكبر، أن هذا المستوى من الاحترار قد يرتفع في هذا الكوكب، وهنا أذكّر أنه في عام 2015 تم التوصل إلى اتفاقية باريس للمُناخ للحد من الارتفاع العالمي الدائم في درجة الحرارة إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، ويفضل أن يكون أقل من 1.5 درجة مئوية بحلول 2020، وقد حدث ذلك تحت تأثير إغلاق الجائحة.
الوباء القادم، والذي لن يدهشني، هو كوارث المناخ الكبرى، وأغلب الظن أن ما يحدث من جفاف للأنهار في أوروبا وفي العراق وإيران وأطراف أستراليا والشواطئ الغربية للأمريكتين، مجرد علامات تنذر بالأخطر، وأن الآيات الكبرى للتغير المناخي ستكون أشد قسوة على البشرية، فهي نذير جوع ومجاعات في كل بقاع الأرض.
الأرض شهدت في مايو الماضي أعلى تركيز لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بنسبة 50 بالمئة مما كان عليه خلال حقبة ما قبل الصناعة، ولم يسبق أن سُجل له مثيل منذ نحو 4 ملايين سنة، ما دفع إدارة المحيطات والغلاف الجوي الوطنية الأمريكية من التحذير من "عواقب وخيمة" أهمها تزايد موجات الحرارة والجفاف والحرائق والفيضانات بفعل الكربون.
تركيز ثاني أكسيد الكربون في مايو 2022 تخطى عتبة 420 جزءا في المليون، ppm، وهي وحدة القياس المستخدمة لتحديد كمية التلوث في الهواء، مقابل 419 جزءا في المليون في مايو 2021، بينما في عام 2020 كان هذا المعدل 417 جزءا في المليون.
الملايين في باكستان يعانون من الآثار التدميرية للتغير المناخي، إذ تعد من أكثر الدول التي تعرضت لمِحن كبرى، بفيضانات تسببت في فقدان أرواح ما يزيد على 1480 إنسانا منذ شهر يونيو الماضي وحتى اليوم، كما دمرت تلك الفيضانات 1.7 مليون مَسكن، وشردت وهجَّرت 33 مليون شخص، وألقت بباكستان إلى أزمة صحية وإنسانية واقتصادية غير مسبوقة في آسيا كلها.
ومن آسيا إلى أفريقيا، غيّرت قواعد تغير المناخ معايير الأزمات والمجاعات والكوارث الإنسانية، لسنوات طويلة لم نشهد معاناة البشر من الجفاف سوى داخل القارة السمراء، لكن للطبيعة قرارات تُصنع بيد البشر، فأصبح الاحترار هو القلم الذي يسطر به الإنسان تاريخ الكوارث الإنسانية، وفواجع الفقر، وسوء التغذية، والجفاف.
الجفاف هو الخطر الأكبر على أفريقيا من شرقها إلى غربها ومن الشمال إلى الجنوب، لا أحد في مأمن مما يخبئ تغير المناخ، ليس هذا فحسب، بل تحمل أفريقيا متناقضاتٍ لا حصر لها، لعل أهمها في تقديري أنه على الرغم من أن أفريقيا تسهم بثلاثة بالمئة فقط من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، فإن شعوب واقتصادات القارة تعاني من ظاهرة التغير المناخي أضعاف هذه النسبة.
بالنسبة لي ولكثيرين لا يمكن لوم الطبيعة، ولا نبرئ البشر وعمالقة التصنيع حول العالم من الخطر القادم لا محالة، وحتى نستقبل الكارثة المتوقعة بهدوء، ليس في الأمر سوى اعتماد معايير جديدة للتنمية الصديقة للبيئة والالتزام بما جاء في اتفاقية باريس 2015، من تعهدات لحلول مُناخية عاجلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة