الإمارات تجربة رائدة، ليس عربيًّا فحسب، بل عالميًّا أيضًا. فعلى أرضها يتعايش أكثر من 200 جنسية بسلام وأمان.
ولا شك في أن الأمم تمر بأزمة هُوية نتاج حراك العولمة الذي طاف أرجاء المعمورة عبر تِقانة الاتصالات المتجددة، بَيْدَ أن الدول الراسخة في التاريخ أعدَّت لهذه المرحلة عُدّتها من أجل جيل ناجح في مستقبله، وأصيل في هُويته.
وقد جانَبَه الصواب مَن اعتقد أن هُوية الإمارات بدأت في عام 1971، فهذا تاريخ ميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة، التي نعتز بالانتماء إليها، ولكنَّ هُويتنا لها جذورها ومرتكزاتها.
ومن جذور هُويتنا الراسخة أننا عرب ننتمي إلى جزيرة سُمّيت بالعربية، تخليدًا للأصالة والقِيم التي سادت هذه البقعة من العالم.
نحن عرب نعتز بهذا الانتماء، ولكننا لا ننظر شزرًا إلى غيرنا من الأمم، ومَن هاجر إلينا، وتخلَّق بأخلاقنا، واعتزَّ بهُويتنا، وأحبَّ لغتنا، فهو عربي مثلنا، لأن العربية هي اللسان.. والعربي -عبر التاريخ- له هُويته التي تميّزه عن غيره، كما لبقية البشر هُوياتهم التي يعتزون بها، وأخلاقنا سُجّلت في المعلَّقات التي وُلِد شعراؤها في القرن السادس الميلادي، ثم جاء الإسلام الذي يُعَدّ من أركان هُويتنا، لكي يتمّم أخلاق العرب، ويعزّز تلك القِيم بسُموّ الروح عندما ترتبط بخالقها سبحانه وتعالى.. وكما أننا نعتز بديننا فإننا لا ننكر على غيرنا ما ارتضوه دينًا لهم، فلهم دينهم ولنا ديننا.
ولهُويتنا الإماراتية ركيزة منبعُها صحراء الوطن القاحلة من كل شيء إلا أخلاقنا، فقبيلة بني ياس التي ينتمي إليها آل نهيان الكِرام، حكَّام الإمارات، ذُكِرت في أول إشارة تاريخية مُدوَّنة لها في عام 1633، وفي عام 1761 بدأت الهجرة إلى أبوظبي، وقصْرُ الحصن الذي أُنشِئ في عام 1793 خير شاهد على ذلك، ومن شيوخ بني ياس آل مكتوم الذين انتقلوا إلى دبي في عام 1833.
وفي الجانب الآخر من دولة الإمارات برز لنا تاريخ القواسم الذين ذاع صيتهم منذ عام 1722، وهم قوة بحرية ضاربة.
هذا الإيجاز التاريخي نُذكِّر به مَن يعتقد أن هُويتنا ليست ضاربة في أعماق التاريخ.. وهذه الهُوية ينبغي الحفاظ عليها في زمن العولمة، ونحن نحترم حرية الإنسان فيما يمارسه في حياته الخاصة، فلكل إنسان عقليته ونفسيته وقناعاته، بَيْدَ أن تلك الخصوصية لا ينبغي أن تكون مفتاحًا للتلاعب بهُوية المجتمع.
وإنني أدرك أن الشطر المادي من الهُوية فيه مرونة، ولكنَّ القِيم والأخلاق خط أحمر في دستور الهُوية، وهذه دعوة مخلصة للمجلس الوطني الاتحادي لمناقشة قضية الهُوية، ووضع إطار قانوني يضمن صيانتها.. كما أن مصادر التربية العامّة، مثل المدارس وأجهزة الإعلام، مطالَبة بصيانة هذه الهُوية من الانحرافات التي قد تعترض مسيرتها، فلا يُوجَد استلاب حضاري أخطر من التذبذب في هُوية المجتمع، وعدم التدافع من أجل الحفاظ عليها.
نقلا عن "مفكرو الإمارات"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة